ورددنا لكم القوة ، وأهلكنا أعداءكم ، وجعلناكم أكثر نفيرا ، أي عددا من الرجال ، وأمددناكم بالأموال والأولاد والسّلاح بفضل طاعة الله والاستقامة على أمره : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران ٣ / ١٤٠] ولذا قال تعالى :
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ..) أي إن أحسنتم العمل ، فأطعتم الله واتّبعتم أوامره واجتنبتم نواهيه ، أو إن أحسنتم بفعل الطاعات ، فقد أحسنتم إلى أنفسكم ؛ لأنكم بالطاعة تنفعونها ، فيفتح الله عليكم أبواب الخيرات والبركات ، ويدفع عنكم أذى أهل السوء في الدّنيا ، ويثيبكم في الآخرة ، وإن أسأتم بفعل المحرّمات أسأتم إلى أنفسكم ؛ لأنكم بالمعصية تضرّونها ، فبشؤم تلك المعاصي يعاقبكم الله بالعقوبات المختلفة ، من تسليط الأعداء في الدّنيا ، وإيقاع العذاب المهين في الآخرة. وقوله تعالى : (فَلَها) أي فعليها ، كما قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) [فصلت ٤١ / ٤٦].
وهذه سنّة الله في خلقه ، إن عصوا سلّط الله عليهم القتل والنّهب والسّبي ، وإن تابوا أزال عنهم تلك المحنة ، وأعاد لهم الدولة ، (جَزاءً وِفاقاً) [النبأ ٧٨ / ٢٦] ، (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت ٤١ / ٤٦].
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ ...) أي فإذا حان موعد المرة الأخيرة ، وجاء وقت العقاب على الكرة الثانية من الإفساد والإقدام على قتل زكريا ويحيى عليهماالسلام ، أرسلنا أعداءكم ليسوؤا وجوهكم ، أي ليظهروا المساءة في وجوهكم بالإهانة والقهر ، وليدخلوا المسجد ، أي بيت المقدس قاهرين ، كما دخلوه في أول مرة للتخريب والتدمير وإحراق التوراة ، (وَلِيُتَبِّرُوا) ، أي يدمّروا ويخرّبوا ، (ما عَلَوْا) ، أي ظهروا عليه ، (تَتْبِيراً) ، أي تخريبا وهلاكا شديدا ، فلا يبقون شيئا من آثار الحضارة والعمران ، ويبيدون الأرض ومن عليها ، ويهلكون الحرث والزرع والثمر ، وقد سلّط الله عليهم في هذه المرة