ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم ، كي يعرفوا طريق الحق والهدى ، ولا يضلوا عنه. وتصريف الأمثال يقتضي التكرار لمختلف وجوه البيان.
(وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) أي ومع هذا البيان الشافي والتوضيح الكافي ، فإن الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل ، إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة.
وهذا دليل على كثرة الجدال في الإنسان وحبه له ، لسعة حيلته ، وقوة ذكائه ، واختلاف نزعاته وأهوائه.
وبالرغم من بيان القرآن ، وكثرة ما يشاهده الكفار من الآيات والدلالات الواضحات ، فإنهم قوم متمردون منذ القديم ، فقال تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا ..) أي وما منع المشركين من أهل مكة من الإيمان بالله ، حين شاهدوا البينات والأدلة الواضحة على وجود الله وتوحيده ، واستغفار ربهم والتوبة إليه من ذنوبهم إلا طلبهم أحد أمرين :
إما أن تأتيهم سنة الأولين القدماء من إحاطة العذاب بهم وإبادتهم وهو عذاب الاستئصال ، كما قال جماعة لنبيهم : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ ، إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [العنكبوت ٢٩ / ٢٩] وقالت قريش : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال ٨ / ٣٢].
وإما أن يروا العذاب عيانا مواجهة ومقابلة.
والمعنى أنهم لا يقدمون على الإيمان إلا عند نزول عذاب الاستئصال فيهلكوا ، أو أن يتواصل أنواع العذاب والبلاء حال بقائهم في الحياة الدنيا (١).
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢١ / ١٤١