وقال في الكشاف : وما منع الناس الإيمان والاستغفار إلا انتظار أن تأتيهم سنة الأولين وهي الإهلاك ، أو انتظار أن يأتيهم عذاب الآخرة قبلا أي عيانا (١).
ومجيء العذاب بيد الله لا من قبل الرسول ، لذا قال تعالى :
(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) أي إن مهمة الرسل إما تبشير من آمن بهم بالثواب على الطاعة ، وإما إنذار من كذبهم وخالفهم بالعقاب على المعصية لكي يؤمنوا طوعا.
ومع هذه الأحوال يوجد الجدال بالباطل من الكفار لدحض الحق ، فقال تعالى مخبرا عنهم :
(وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) أي ويجادل الكفار جدالا بالباطل لا بالحق ، ليضعفوا بجدالهم الحق ، الذي جاءتهم به الرسل ، وليس ذلك بحاصل لهم ، فهم يقترحون الآيات بعد ظهور المعجزات ، ويقولون للرسل : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ، وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) [المؤمنون ٢٣ / ٢٤].
(وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً) أي اتخذوا آيات الله وهي القرآن والحجج والبراهين وخوارق العادات التي بعث بها الرسل ، وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب هزوا أي استهزاء وسخرية ، وهو أشد التكذيب ، وكل ذلك يدل على استيلاء الجهل والقسوة.
وبعد أن حكى الله تعالى عن الكفار جدالهم بالباطل ، وصفهم بعده بالصفات الموجبة للخزي والخذلان ، فقال :
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ٢٦٣