وربك يا محمد غفور ستّار ، ذو رحمة واسعة ، لو يؤاخذ الناس فورا بما كسبوا من السيئات واقترفوا من الخطيئات ، لعجل لهم العذاب في الدنيا ، على وفق أعمالهم. والغفور : البليغ المغفرة ، فهي صيغة مبالغة ، وذو الرحمة : الموصوف بالرحمة.
ونظير الآية قوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ، ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر ٣٥ / ٤٥] وقوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) [الرعد ١٣ / ٦].
ثم استشهد تعالى بترك مؤاخذة أهل مكة عاجلا من غير إمهال ، مع إفراطهم في عداوة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال :
(بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) أي إن الله أراد غير ذلك من تعجيل العذاب ، وجعل للعذاب موعدا حدده وهو إما يوم القيامة ، وإما في الدنيا وهو يوم بدر وسائر أيام الفتح ، لن يجدوا عنه ملجأ ومنجى ، وليس له محيد ولا معدل عنه ، والخلاصة : أن تأخير العقاب أو العذاب إمهال لا إهمال.
وشاهد آخر : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ...) أي وتلك القرى ، أي أهلها من الأمم الغابرة ، كعاد وثمود ومدين وقوم لوط ، أهلكناهم لما ظلموا بسبب كفرهم وعنادهم ، وجعلنا لهلاكهم موعدا لا محيد عنه ، ومدة معلومة لا تزيد ولا تنقص ، أي وكذلك أنتم أيها المشركون احذروا أن يصيبكم ما أصابهم ، فقد كذبتم رسولكم ، ولستم بأعز علينا منهم. والمهلك : الإهلاك أو وقته ، والموعد : وقت أو مصدر. والمراد : إنا عجلنا هلاكهم ، ومع ذلك حددنا له وقتا ، رجاء أن يتوبوا.