وأمسك الله عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطاق ، فلما استيقظ ، نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : (آتِنا غَداءَنا ، لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) ـ قال : ولم يجد موسى النّصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ـ فقال فتاه : (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ، وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً).
قال : فكان للحوت سربا ، ولموسى وفتاه عجبا ، فقال موسى : (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ ، فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) قال : رجعا يقصان آثارهما ، حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا هو مسجّى بثوب ، فسلّم عليه موسى ، فقال الخضر ، وأنى بأرضك السلام (١)! من أنت؟ قال : أنا موسى ، قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم أتيتك لتعلمني مما علّمت رشدا (قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً).
يا موسى ، إني على علم من علم الله ، لا تعلمه ، علّمنيه ، وأنت على علم من علم الله علّمكه ، لا أعلمه ، فقال موسى : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً ، وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) فقال له الخضر : (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً).
فانطلقا يمشيان على الساحل ، فمرت سفينة ، فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر ، فحملوهم بغير نول ـ أي أجر ـ فلما ركبا السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدّوم ، فقال له موسى : قوم قد حملونا بغير نول ، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها : (لِتُغْرِقَ أَهْلَها ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً).
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : وكانت الأولى من موسى نسيانا ، وجاء عصفور ، فوقع على حرف السفينة ، فنقر في البحر نقرة ، فقال له الخضر : ما علمي وعلمك
__________________
(١) أي من أين السلام في هذه الأرض التي لا سلام فيها؟