من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر.
ثم خرجا من السفينة ، فبينما هما يمشيان على الساحل ، إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله ، فقال له موسى : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) قال : (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) قال سفيان : وهذه أشدّ من الأولى.
(قالَ : إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها ، فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما ، فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) فقال الخضر بيده هكذا ـ أي أشار بيده ـ فأقامه ، فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ، ولم يضيفونا (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) قال الخضر : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً).
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يرحم الله موسى ، لوددت أنه كان صبر ، حتى يقص الله علينا من أخبارهما».
التفسير والبيان :
هذه هي القصة الثالثة التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة بعد قصة أصحاب الكهف ، وصاحب الجنتين والأموال ، وهي تلتقي أيضا مع ما ذكره الله تعالى من تشبيه الحياة الدنيا بماء السماء ، وتفاخر الناس بالمال والبنين ، كما تلتقي معهما في نبذ الافتخار والتكبر والتعالي على الآخرين ، ليكون ذلك درسا بليغا وعظة لرؤساء قريش الذين طلبوا تخصيص مجلس لهم ، وطرد الفقراء والمستضعفين من الجلوس معهم في مجلس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنفة وكبرياء واستعلاء ، فقال تعالى :