تعاقبهما واختلافهما تحقيق لمصالح الإنسان ، ففي الليل سكنه وهدوءه وراحته ، وفي النهار حركته وشغله وتقلبه في أنحاء الدنيا للمعيشة والكسب ، والصناعة والعمل.
وجعلنا ظرف كل من الليل والنهار مناسبا للهدف المنشود والغاية المقصودة ، ففي الليل ظلام دامس ومحو للضوء يتلاءم مع راحة النفس والعين والسمع ، وفي النهار ضوء ونور يناسب الحركة والعمل وإبصار الأشياء.
فهذا امتنان من الله تعالى على خلقه بجعل الليل ممحو الضوء مطموسا مظلما لا يستبان فيه شيء ، وجعل النهار مبصرا ، أي تبصر فيه الأشياء وتستبان.
(لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) أي جعلنا تعاقب الليل والنهار لتتمكنوا كيف تتصرفون في أعمالكم ، وتطلبون الرزق من الله ربكم الذي يربيكم ويمدكم من فضله وإحسانه شيئا فشيئا ، وعلى وفق الزمان الدائر بكم صيفا وشتاء.
(وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) أي ولتعرفوا بتعاقب الليل والنهار عدد الأيام والشهور والأعوام ، وتعلموا بحساب الأشهر والليالي والأيام أوقات مصالحكم من الدورات الزراعية ، وآجال الديون والإجارات والمعاملات ، وأزمان العبادات من صلاة وصيام وحج وزكاة ، فلو لم يتغاير الليل والنهار ، لما تمكن الإنسان من الراحة التامة ليلا واكتساب المعايش والأرزاق نهارا ، ولو كان الزمان كله نسقا واحدا لما عرف الحساب على نحو صحيح يسير.
ونظير الآية قول الله تعالى : (قُلْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ؟ أَفَلا تَسْمَعُونَ؟ قُلْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ؟ أَفَلا تُبْصِرُونَ؟ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ؟!) [القصص ٢٨ / ٧٠ ـ ٧٣]