وكل من الفريقين يرزقهم ربهم في الدنيا ؛ لأن عطاءه ليس ممنوعا عن أحد ، ولكنهم متفاضلون في الرزق ، ومراتب التفاوت في الآخرة أكثر من مراتب تفاوت الدنيا.
التفسير والبيان :
هذه الآيات تصنيف عام لأحوال الناس في الدنيا ، فهم فريقان : فريق يعمل للدنيا ، وفريق يعمل للآخرة. أما الفريق الأول فهو : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ ...) أي من كان طلبه الدنيا العاجلة ، وكانت الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه ، فخصها بكل جهده وعمله ، ونسي الآخرة ، عجل الله فيها تحقيق أمله حسبما يشاء ويريد ، من سعة الرزق وترف الحياة ، فليس كل من طلب الدنيا ونعمها يحصل له مراده ، بل إنما يحصل لمن أراد الله وما يشاء ، فالعطاء الدنيوي مقيد بالإرادة والمشيئة الإلهية ، والقيد يشمل أمرين : ما يشاؤه الله لا ما يحبه العبد ، ولمن يشاء الله ، لا لكل من أراد الدنيا ، فهؤلاء الماديون لا يعطون كل ما يريدون ، وإنما يعطون بعض أمانيهم ، والكثير من الماديين لا يعطون شيئا أبدا ، فيجمعون بين فقر الدنيا وفقر الآخرة ، وبين الحرمان من الدنيا والدين.
ولكل من هؤلاء الماديين ، سواء أعطوا مرادهم أم لا جهنم يصلونها أي يقاسون حرها بصفة دائمة ، مذمومين من الله والملائكة والناس أجمعين على قلة الشكر وسوء العمل والتصرف ، مطرودين من رحمة الله تعالى.
فهذا العقاب ذو أوصاف ثلاثة في الآية : الدوام والخلود ، والإذلال والإهانة ، والطرد من رحمة الله. وهذا تهديد للماديين الكفرة وزجر شديد ، فإنهم يحصرون همهم في الدنيا ، وربما لم ينلهم شيء منها. روى أحمد عن عائشة مرفوعا : «الدنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، ولها يجمع من لا عقل له».