وأما الفريق الثاني وهم المؤمنون الأتقياء فهم الذين أخبر الله تعالى عنهم : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها ...) أي ومن طلب الآخرة ، وكانت هي همّه ومقصده ، فعمل لها ما استطاع من القرب والطاعات ، وهو مؤمن مصدق بالله وبكتبه ورسله واليوم الآخر ، فأولئك أهل الكمال المشكورون على طاعاتهم ، المثابون على أعمالهم من قبل الله تعالى.
فلا يثاب هؤلاء ولا ينالون هذا الجزاء الحسن إلا بشروط ثلاثة :
الأول ـ إرادة ثواب الآخرة وما فيها من النعيم والسرور ، جاء في الحديث الذي رواه الشيخان عن عمر : «إنما الأعمال بالنيات».
الثاني ـ أن يكون العمل من القرب والطاعات ومتابعة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا من الأعمال الباطلة ، فإن الكفار يتقربون إلى الله تعالى بعبادة الأوثان ، والكواكب والملائكة وبعض البشر من الأنبياء ، فقوله : (وَسَعى لَها سَعْيَها) أي أعطاها حقها من السعي بالأعمال الصالحة.
الثالث ـ أن يكون العمل في دائرة الإيمان والتصديق بالثواب والجزاء ، فلا ينفع العمل بغير الإيمان الصحيح. وهذه هي الشرائط الثلاثة في كون السعي مشكورا.
قال بعض السلف : من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله : إيمان ثابت ، ونية صادقة ، وعمل مصيب ، وتلا هذه الآية.
هؤلاء المؤمنون الصلحاء الذين اختاروا غنى الآخرة لا يبالون بشيء بعدها ، فإن أوتوا حظا من الدنيا شكروا ربهم ، وإن حرموا منه صبروا ، ورضوا ؛ لأن ما عند الله خير وأبقى.
ثم أبان الله تعالى أن الرزق في الدنيا مضمون مكفول لكلا الفريقين ، فقال :