(سُبْحانَهُ) تنزيها له (وَتَعالى) تعاظم (عَمَّا يَقُولُونَ) من الشركاء. (عُلُوًّا كَبِيراً) تعاليا متباعدا غاية البعد عما يقولون ، فإنه في أعلى مراتب الوجود ، وهو كونه واجب الوجود والبقاء لذاته ، وأما اتخاذ الولد فمن أدنى مراتبه ، فإنه من خواص ما يمتنع بقاؤه.
(تُسَبِّحُ لَهُ) تنزهه (وَإِنْ) ما (مِنْ شَيْءٍ) من المخلوقات (إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) إلا ينزهه تنزيها مقترنا بحمده ، فيقول : سبحان الله وبحمده (لا تَفْقَهُونَ) لا تفهمون (تَسْبِيحَهُمْ) لأنه ليس بلغتكم (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) حيث لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم ، غفورا لمن تاب منكم.
المناسبة :
بعد أن حذر الله تعالى من الشرك ، نبّه إلى جهل من أثبت لله شريكا ، وندّد بالمشركين وقرّع الذين أثبتوا لله ولدا ، وجعلوا البنين لأنفسهم ، مع علمهم بعجزهم ونقصهم ، ونسبوا البنات لله ، مع علمهم بأن الله تعالى هو الموصوف بالكمال الذي لا نهاية له ، والجلال الذي لا غاية له ، مما يدل على نهاية جهلهم.
ثم أبان أنه ضرب في القرآن الأمثال للناس ليتدبروا ويتأملوا فيها ، وذكر أنه لو كانت هذه الأصنام تقرب إلى الله زلفى ، لطلبت لنفسها القربة إلى الله ، ولكنها لم تفعل ذلك ، فبان خطؤهم في ادعائهم أن الملائكة بنات الله ، وتبين إبطال تعدد الآلهة ، وإثبات الوحدانية لله ، والتنزيه له ، لأن كل ما في الكون تدل أحواله على توحيد الله وتقديسه وعزته ، ولكنكم بسبب الجهل والغفلة لا تدركون دلالة تلك الأدلة.
التفسير والبيان :
بعد أن فند الله تعالى زعم من نسب لله شريكا ، شنع هنا على من نسب له الولد ، وردّ الله تعالى في هذه الآية على المشركين الذين جعلوا الملائكة إناثا ، ثم ادعوا أنهن بنات الله ، ثم عبدوهن ، مقرعا لهم ومنكرا عليهم ، ومبينا خطأهم العظيم قائلا : أيكرمكم ربكم فيخصكم بالذكور من الأولاد ، ويختار لنفسه على