(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً) أي تنزه الله تعالى عما لا يليق به ، وتعالى ، أي ارتفع وعلا عما يقول هؤلاء المشركون المعتدون الظالمون في زعمهم أن معه آلهة أخرى ، تعاليا كبيرا ، بل هو الله الأحد الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد.
وفي وصف العلو بالكبر إشارة إلى وجود التغاير المطلق بين ذاته وصفاته تعالى ، وبين نسبة الصاحبة والولد والشركاء والأضداد والأنداد إليه ، لوجود المنافاة بين القديم والمحدث ، وبين الغني والمحتاج ، منافاة لا يتصور الزيادة عليها ، كما قال تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ ، وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا ، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) [مريم ١٩ / ٩٠ ـ ٩١].
ثم أبان الله تعالى مبلغ عظمته فقال : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ ...) أي تقدسه وتنزهه السموات السبع والأرض ومن فيهن من المخلوقات عما يقول هؤلاء المشركون ، وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته ، وما من شيء من المخلوقات (الحيوانات والجمادات والنباتات) إلا يسبح بحمد الله تعالى ، أي يشهد ويدل بخلقه من غيره على وجوب وجود الله تعالى الخالق لكل الأكوان ، فالتسبيح من الناس هو قولهم : سبحان الله ، وهذا حقيقة ، ومن الجمادات وغيرها : معناه الدلالة على تنزيه الله تعالى ، وهذا مجاز. وقال بعضهم : إنه حقيقة أيضا.
(وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) أي ولكن لا تفهمون أيها البشر تسبيحهم ، لأنه بخلاف لغاتكم ، كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال : كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. وقال قتادة : كل شيء فيه روح يسبح ، من شجر أو غيره.
(إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) إنه تعالى كان وما يزال حليما لا يعاجل بالعقوبة من عصاه ، وإنما يمهل ويؤجل ، ويغفر لمن تاب منكم.