قلوبهم عن فهم معاني القرآن وتدبر آياته ، وجعلنا على قلوبهم أغطية بحيث لا يتسرّب إليها فهم مدارك القرآن ومعرفة أحكامه وأسراره وغاياته ، وفي آذانهم ما يمنع من سماع صوته. فمعنى قوله تعالى : (أَنْ يَفْقَهُوهُ) أي لئلا يفهموا القرآن ، والوقر : هو الثقل الذي يمنع من سماع القرآن سماع انتفاع واهتداء به.
ونظير الآية قوله تعالى : (وَقالُوا : قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت ٤١ / ٥].
والحجاب المستور أي الساتر ، فهو يستر البصائر عن أن تبصر حقائق الأشياء ، ومعنى جعل الأكنة على القلوب : أي جعل القلوب في الأكنّة ، والأكنّة جمع كنان : الذي يغشى القلب ، فصار التغليف والحيلولة دون الفهم من الظاهر والباطن والأعلى والأسفل ، وأوصد الله الآذان وصمّها عن السّماع سماع وعي وفهم وتدبّر ، فهم كانوا عقلاء سامعين فاهمين ، والمراد بالآية منعهم عن الإيمان ، ومنعهم عن سماع القرآن بحيث لا يقفون على أسراره ، ولا يفهمون دقائقه وحقائقه ، وذلك لتأصّل الشرك في نفوسهم ، وعدم إعمال أفكارهم في حقائق الدّين.
وقد تقدّم ما روي أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا قرأ القرآن ، قام عن يمينه رجلان وعن يساره آخران من ولد قصيّ يصفّقون ، ويصفرون ، ويخلّطون عليه بالأشعار.
(وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ ..) أي وإذا وحّدت الله في تلاوتك وقلت : لا إله إلا الله ، ولم تقل : واللّات والعزّى ، ولّوا أي أدبروا راجعين على أدبارهم نافرين نفورا ، تكبّرا من ذكر الله وحده ، كما قال تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) [الزّمر ٣٩ / ٤٥] وذلك لأنهم مشركون ، فإذا سمعوا بالتّوحيد نفروا.
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ ..) نحن يا محمد أعلم بالنّحو الذي يستمعون به