فاعتل بالسقم (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) أي تركوه وذهبوا إلى عيدهم (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) ذهب أو مال خفية إلى أصنامهم وعندها الطعام ، ومنه يقال : روغان الثعلب أي الميل (فَقالَ : أَلا تَأْكُلُونَ) قال استهزاء وسخرية : ألا تأكلون من الطعام الذي صنعوه لكم؟ فلم ينطقوا.
(ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) لا تجيبوني ، وقد علم أنها جمادات لا تنطق (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) مال عليهم يضربهم بقوة وشدة ، فكسرهم (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) أي أقبل إليه عبدة تلك الأصنام يسرعون المشي ، لما علموا بما صنعه بها ، فقالوا : نحن نعبدها وأنت تكسرها؟ (قالَ : أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) أي قال لهم موبخا : أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها؟ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) أي خلقكم وخلق الذي تصنعونه ، فاعبدوه وحده.
(قالُوا : ابْنُوا لَهُ بُنْياناً ، فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) أي تشاوروا فيما بينهم أن يبنوا له بنيانا من حجارة ، ويملأوه حطبا ، ويضرموه ، ثم يلقوه فيه. والجحيم : النار الشديدة (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) بإلقائه في النار لتهلكه (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) المقهورين ، فصارت النار بعد إلقائه عليها بردا وسلاما ، ولم تؤثر فيه.
(ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) مهاجر من بلد قومي دار الكفر إلى حيث أمرني بالمهاجرة إليه وهو الشام ، أو إلى حيث أتمكن من عبادته (هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) أي ولدا صالحا يعينني على طاعتك ، ويؤنسني في الغربة (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) أي بصبي ذكر يكبر ويصير حليما ، أي ذا حلم كثير.
المناسبة :
هذه قصة ثانية تبين مدى الصلة الوثيقة والارتباط العميق بين الأنبياء في رسالاتهم ، افتتحت بأن إبراهيم عليهالسلام من شيعة نوح ، أي من أهل بيته وعلى دينه ومنهاجه ، فهما مصدر الخير والسعادة للناس ، فكانت قصة إبراهيم أبي الأنبياء بعد قصة نوح أبي البشر الثاني عليهماالسلام ، والأول نجاه الله من الغرق ، والثاني نجاه الله من النار.
التفسير والبيان :
(وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) أي وإن إبراهيم عليهالسلام ممن سار على دين نوح عليهالسلام ومنهجه وسلك طريقه في الدعوة إلى توحيد الله والإيمان به