آخر ، وهما النظر في النجوم ، وقوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) ، قاصدا بالأول أنه يعلم بعلوم النجوم ، وأنه تفكر فيما يعمل لما كلّفوه الخروج معهم ، وبالثاني أنه سيمرض مرض الموت ، لأن من كتب عليه الموت يسقم في الغالب ، ثم يموت ، فتوهموا هم أنه سقيم الآن ، وهذا تورية وتعريض ، كما قال للملك لما سأله عن سارّة : هي أختي ، يعني أخوة الدين.
وفي الصحيح الذي أخرجه أحمد والشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لم يكذب إبراهيم النبي عليهالسلام إلا ثلاث كذبات» والكذب تعريضا والتورية أمر جائز مباح. وقيل : أراد أنه سقيم النفس لكفرهم ووثنيتهم.
٦ ـ دبر إبراهيم عليهالسلام خطة ناجحة لتحطيم الأصنام ، فقد مكث في البلدة حينما خرج القوم لعيدهم ومعبدهم ، بعد أن قدموا طعاما لأصنامهم لتباركه بزعمهم ، أو للسدنة ، فجاء إليهم ، وخاطبهم كما يخاطب العقلاء قائلا على جهة التهكم والاستهزاء : (أَلا تَأْكُلُونَ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ)؟ فلم يجيبوا ، وهو يعلم ذلك ، فانهال عليهم ضربا بقوة وشدة ، حتى دمرهم إلا كبيرا لهم ، كما في سورة الأنبياء ، لإلزام القوم بالحجة ، وتعريفهم خطأهم وأن هذه الأصنام لا تقدر حماية أنفسها.
٧ ـ أقبل إليه القوم مسرعين ، بعد أن عرفوا أن الفاعل هو إبراهيم ، فقالوا : من فعل هذا بآلهتنا؟ فقال محتجا : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ)؟ أي أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها بأيديكم ، والنحت : النجر والبري.
ثم قال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) أي خلقكم وخلق ما تعملونه من الأصنام بالخشب والحجارة وغيرهما ، وبإيجاز : خلقكم وعملكم.
وقد استدل أهل السنة بهذه الآية على أن الأفعال خلق لله عزوجل ، واكتساب للعباد ، وفي هذا إبطال مذاهب القدرية والجبرية. أخرج البخاري