منها أو هو آت ما يلام عليه ، من ترك قومه بغير إذن ربه ، وكان عليه أن يصبر على أذى قومه. والخروج بغير إذن الله كبيرة على الأنبياء ، لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
(فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي لو لا أنه كان في حياته من الذاكرين الله كثيرا ، المسبحين بحمده ، المصلين له ، للبث ميتا في بطن الحوت ، وصار له قبرا إلى يوم القيامة ، لأن العادة أن يهضم كسائر أنواع الغذاء.
جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره النووي في الأربعين النووية عن ابن عباس في رواية غير الترمذي : «تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» وكما كان مسبّحا ربه في حياته ، سبح الله في بطن الحوت ، كما قال عزوجل : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ : أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ ، وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ ، وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء ٢١ / ٨٧ ـ ٨٨].
(فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) ألقيناه ، بأن جعلنا الحوت يلقيه ، في مكان خال ليس فيه شجر ولا نبت ولا بناء ، على جانب دجلة ، وهو عليل الجسم ضعيف البدن ، كهيئة الصبي حين يولد.
(وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) أي أنبتنا عليه شجرة فوقه تظلل عليه هي شجرة الدّبّاء وهو القرع ، وهذا سريع النمو ، وقدرة الله تجعل الشيء كن فيكون. ذكر بعضهم في القرع فوائد : منها سرعة نباته ، وتظليل ورقه لكبره ونعومته ، وأنه لا يقربها الذباب ، وجودة تغذية ثمرته ، وأنه يؤكل نيئا ومطبوخا بلبّه وقشره أيضا. وقد ثبت أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم كان يحب الدباء ، ويتتبعه من حواشي الصّحفة. وقد مكث يونس في هذه الحالة حتى اشتد لحمه ونبت شعره ، ثم جاءه الأمر الإلهي :
(وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ، فَآمَنُوا ، فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) أي