وإذا ثبت قرآنا ودينا وعقلا وفطرة أن هنالك فرقا واضحا بين المؤمن وغيره ، وأن للمؤمن حياة سعيدة دائمة في الجنان ، وأن للكافر عذابا أليما في النيران ، فما الطريق إلى السعادة؟ الطريق قوله تعالى :
(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي إن طريق السعادة الأبدية هو اتباع القرآن الذي أنزله الله هدى ورحمة للمؤمنين ، وهو كثير الخير والبركة ، فيه الشفاء لمن تمسك به ، والنجاة لمن تبعه ، وقد أنزله تعالى للناس للتدبر والتفكر في معانيه ، لا لمجرد التلاوة بدون تدبر ، وليتعظ أهل العقول الراجحة به وببيانه. قال الحسن البصري : والله ما تدّبره بحفظ حروفه ، وإضاعة حدوده ، حتى إن أحدهم ليقول : قرأت القرآن كله ، ما يرى للقرآن عليه أثر في خلق ولا عمل.
فقه الحياة أو الأحكام :
أرشدت الآيات إلى ما يأتي :
١ ـ ليس خلق السموات والأرض عبثا وهزلا ولعبا ، وإنما له غاية عظمي وهدف صحيح وهو الدلالة على قدرة الله. والذين يظنون أن الله خلقهما باطلا عبثا هم الكفار ، فيا ويلهم من عذاب النار.
٢ ـ تدل هذه الآية : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ ..) على إثبات الحشر والنشر والمعاد (أو القيامة) لأنه إذا لم يكن خلقهما باطلا ، كان القول بالحشر والنشر لازما ، وكان كل من أنكر القول بالحشر والنشر شاكّا في حكمة الله في خلق السماء والأرض.
٣ ـ إذا لم يكن حشر ونشر ومعاد فحينئذ يكون حال المطيع أدنى من حال العاصي ، لذا وبّخ تعالى الشاكين في الحشر والنشر ، وأنكر عدم التسوية بين المؤمن والكافر ، وبين الصالح والمفسد.