ونظير القسم الثاني قوله سبحانه : (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) [إبراهيم ١٤ / ٢] وقوله عزوجل : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [مريم ١٩ / ٣٧].
ثم أبان الله تعالى منهج الحساب أو عدم التسوية بين المؤمنين والكافرين ، فقال : (أَمْ(١) نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) أي بل أنجعل الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله ، وعملوا بفرائضه ، وأصلحوا أعمالهم ، فأدّوا ما يجب للخالق والمخلوق ، كالمفسدين في الأرض بالمعاصي ، أم نجعل أتقياء المؤمنين كأشقياء الكافرين والمنافقين والمنهمكين في معاصي الله من المسلمين؟!! فليس ذلك إن فعلناه عدلا ، ولا يتفق مع الحكمة ، ومقتضى أي نظام.
أي ليس من عدل الله وحكمته التسوية بين المؤمنين والكافرين ، فلا يستوي الفريقان عند الله ، وإذا كان الأمر كذلك ، فلا بدّ من دار أخرى يثاب فيها المطيع ، ويعاقب فيها الفاجر ، إذ لو لا البعث والحساب والجزاء لكان الفريقان سواء.
ويؤيد هذا المبدأ العقول السليمة والفطر المستقيمة أنه لا بد من معاد وجزاء ، فلا يعقل أن يكون جزاء المحسن كجزاء المسي ، ولا تتقبل النفس الإنسانية أن يترك الظالم دون عقاب ، وألا ينصف المظلوم أو المحزون أو المعدم من الظالم الباغي المترف ، وألا يعوض عن كمده وحرمانه في الدنيا.
ونظير الآية قوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟!) [القلم ٦٨ / ٣٤ ـ ٣٦].
__________________
(١) هذه أَمْ المنقطعة التي هي بمعنى «بل» للإضراب الانتقالي ، ويراد بالهمزة الاستفهامية : الإنكار.