عليهالسلام ، فتأمل في أحوال هؤلاء لتعرف أن أحوال الدنيا لا تنتظم لأحد ، وأن العاقل لا بدّ له من الصبر على المكاره.
التفسير والبيان :
(وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ ، إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) أي واذكر أيها الرسول لقومك صبر أيوب على مرضه مدة طويلة هي نحو من ثماني عشرة سنة ، حين نادى ربّه بأني قد مسني الضّر ومسّني الشيطان بمشقة وألم مضر ، وإنما نسب ذلك الضر إلى الشيطان أدبا مع الله تعالى كما تقدم. والذي يجب اعتقاده أن هذا المرض لم يكن منفّرا الناس منه ، وإنما هو مجرد مرض جلدي يشفى بالمياه المعدنية أو الكبريتية ، لأن شرط الأنبياء : السلامة عن الأمراض المنفّرة طبعا.
روى ابن جرير وابن أبي حاتم جميعا عن أنس بن مالك رضياللهعنه قال : إن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال : «إن نبي الله أيوب عليهالسلام لبث به بلاؤه ثماني عشرة ، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين (١) ، كانا من أخصّ إخوانه ، كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه : تعلم ، والله لقد أذنب أيوب ذنبا ، ما أذنبه أحد من العالمين ، قال له صاحبه : وما ذاك؟ قال : منذ ثماني عشرة سنة ، لم يرحمهالله تعالى ، فيكشف ما به ، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له.
فقال أيوب عليهالسلام : لا أدري ما تقول ، غير أن الله عزوجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان ، فيذكران الله تعالى ، فأرجع إلى بيتي ، فأكفّر عنهما كراهية أن يذكر الله تعالى إلا في حق.
__________________
(١) يمكن تأويل هذا الرفض بالبعد المعتاد عن كل مريض ، شفقة ورحمة ، لا نفورا من المرض.