وهذا غلط منهم ، ومكابرة ومجادلة بالباطل ، فإن الله سبحانه أغنى بعض خلقه ، وأفقر بعضا لحكمة يعلمها ، وأمر الغني أن يطعم الفقير ، وابتلاه به فيما فرض عليه من الصدقة ، ليعلم الطائع من العاصي علم بيان وانكشاف ، وإقامة حجة وبرهان.
المناسبة :
بعد بيان الآيات الدالة يقينا وقطعا على وجود الله وتوحيده وقدرته التامة ، أخبر الله تعالى أن الكفار مع هذا الدليل القاطع يعرضون عن آيات ربهم ، ولا يعترفون بها ، وشأن العاقل الاقتناع بها ، ولكن هؤلاء لا يتقون الله ، ولا يحذرون بأن يصيبهم مثل هلاك الأمم الغابرة ، ولا يفكرون في آيات الله ، وليس في قلوبهم رحمة أو شفقة على عباد الله ، فهم في غاية الجهل ونهاية الغفلة ، وليسوا مثل العلماء الذين يتبعون البرهان ، ولا مثل العامة الذين يبنون الأمر على الأحوط.
التفسير والبيان :
يخبر الله تعالى عن تمادي المشركين في غيهم وضلالهم ، وعدم اكتراثهم بذنوبهم الماضية ، ولا بما يستقبلون بين أيديهم يوم القيامة ، فيقول :
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ : اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي وإذا قيل لهؤلاء المعرضين عن آيات الله ، المكذبين بها : احذروا أن يصيبكم مثلما أصاب من قبلكم من الأمم ، مما هو قدّامكم ، من الآفات والنوازل وعذاب الدنيا ، وخافوا ما أنتم مقدمون عليه بعد الهلاك من عذاب الآخرة ، إذا أصررتم على الكفر حتى الموت ، لعل الله يرحمكم باتقائكم ذلك ، ويحميكم من عذابه ، ويغفر لكم.
وإذا قيل لهم ذلك أعرضوا عنه ، وإذا قيل لهم : اتقوا لا يتقون.
وليس إعراضهم مقتصرا على ذلك ، بل هم عن كل آية معرضون ، كما قال تعالى :