(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) أي وما تجيء هؤلاء المشركين آية من آيات الله على التوحيد وصدق الرسل إلا شأنهم الإعراض عنها ، وعدم الالتفات إليها ، وترك التأمل بها ، وعدم الانتفاع بها ، لتعطيل طاقة الفكر والنظر المرشد إلى الإيمان وتصديق الرسول ص.
وفضلا عن سوء الاعتقاد بالله ورسوله صلي الله عليه وآله وسلم ، تركوا الشفقة على خلق الله ، كما قال تعالى: (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ : أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ، قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا : أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ)؟ أي وإذا طلب منهم الصدقة ، وأمروا بالإنفاق مما رزقهم الله على الفقراء والمحاويج ، أجابوا المؤمنين استهزاء بهم ، وتهكما بقولهم : هؤلاء الذين أمرتمونا بالإنفاق عليهم : لو شاء الله لأغناهم ، ولأطعمهم من رزقه ، فنحن نوافق مشيئة الله تعالى فيهم.
وكان هذا الاحتجاج باطلا ، لأن الله تعالى إذا ملّك عبدا مالا ، ثم أوجب عليه فيه حقا ، فكأنه انتزع ذلك القدر منه ، فلا معنى للاعتراض. وقد صدقوا في قولهم : لو شاء الله أطعمهم ، ولكن كذبوا في الاحتجاج بذلك.
وقوله : (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) ترغيب في الإنفاق ، فإن الله رزقكم ، فإذا أنفقتم فهو يخلف لكم الرزق ثانيا كما رزقكم أولا ، وهو أيضا ذم على البخل الذي هو في غاية القبح ، فإن أبخل البخلاء من يبخل بمال الغير ، وفي هذا ذم لهم على ترك الشفقة على خلق الله.
ومع هذا كله ، عابوا الآمرين لهم بالإنفاق واتهموهم بالضلال ، فقالوا تتمة لكلامهم :
(إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي ما أنتم في أمركم لنا بالإنفاق إلا في خطأ واضح ، وانحراف عن جادة الهدى والرشاد.