(أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ أَلا) : تنبيه ، أي تنبهوا ، أي إن خلق هذا العالم العلوي وأجرامه العظيمة من غالب قادر على الانتقام ممن عاداه ، ساتر لذنوب عباده بالمغفرة ، ولا أحد مثله في ذلك ، والجمع بين هاتين الصفتين للدلالة على أنه مع عزته وعظمته وكبريائه وكمال قدرته ، هو غفار عظيم الرحمة والفضل والإحسان ، يغفر لمن عصاه ثم تاب وأناب إليه ، فإن الإخبار عن كونه عظيم القدرة يوجب الخوف والرهبة ، فأتبعه بوصف (الْغَفَّارُ) الذي يوجب كثرة الرحمة ، وكثرة الرحمة لا تعني الطمع من دون فعل ، وإنما توجب الرجاء والرغبة في طلب المغفرة بالعبادة والإخلاص له. والخلاصة : إن هذا التذييل للترغيب في العمل الموجب للمغفرة ، بعد الترهيب الموجب للحذر.
ثم أتبعه بدليل آخر :
الدليل الثاني وأقسامه من العالم السفلي :
أ ـ (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي خلقكم أيها الناس على اختلاف أجناسكم وألسنتكم وألوانكم من نفس واحدة ، هي آدم عليهالسلام ، ثم جعل من جنسها (١) زوجها ، وهي حواء ، ثم شعّب الخلق منهما ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ، وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها ، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) [النساء ٤ / ١] وهذا الجزء من الدليل في عالم الأرض مشتمل كما هو واضح على أدلة ثلاثة. والمشهور في قوله : (مِنْها) أنه خلق حواء من ضلع آدم ، ولم يخلق سبحانه أنثى من ضلع رجل غيرها.
ب ـ (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) أي وقضى لكم وقسم وخلق وأعطاكم من ظهور الأنعام (وهي الإبل والبقر والضأن والمعز) ثمانية أزواج من كل صنف ذكرا وأنثى ، كما قال تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ، وَمِنَ
__________________
(١) وهذا رأي الرازي.