ثم ذكر فيه مثلا عجيبا للمؤمن الموحد والمشرك ، يدل على فساد مذهب المشركين ، بعد أن أفاض تعالى في شرح وعيد الكفار في هذه السورة.
التفسير والبيان :
(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ، قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ، لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي لقد بيّنا للناس المطلوب فيه بضرب الأمثال ، من كل مثل يحتاجون إليه في أمر دينهم ، ومن أمثال القرون الخالية تخويفا لهم وتحذيرا ، والمثل يقرّب المعنى إلى الذهن ، لعلهم يتعظون ، فيعتبرون. قال تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ ، وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت ٢٩ / ٤٣]. والخلاصة : أن الحكمة في ضرب الأمثال للناس هي أن تكون عظة وذكرى لهم ليتقوا ربهم ، ويرتدعوا عن غيهم.
ووصف القران بصفات ثلاث : هي كونه قرآنا أي كونه متلوا في المحاريب إلى قيام القيامة ، كما قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر ١٥ / ٩]. وكونه عربيا بلسان عربي مبين ، أي أعجز الفصحاء والبلغاء عن معارضته ، كما قال سبحانه : (قُلْ : لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ، وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء ١٧ / ٨٨]. وكونه غير ذي عوج ، أي براءته من التناقض ، كما قال تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ ، لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء ٤ / ٨٢]. وذلك لعلهم يتقون ما حذرناهم منه من بأس الله وسطوته.
وإنما قدم (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) على (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) لأن التذكر متقدم على الاتقاء ، لأنه إذا اتعظ به وفهم معناه ، حصل الاتقاء والاحتراز.
ثم ذكر تعالى مثلا للمؤمن الموحد والكافر المشرك ، فقال :
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً ، فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ، وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ ، هَلْ