يشاهد هؤلاء المشركون بالله عبدة الأصنام وغيرهم أن الله خلق لهم هذه الأنعام (وهي الإبل والبقر والغنم) التي سخرها لهم ، وأوجدها من أجلهم من غير وساطة ولا شريك ، وجعلهم مالكين لها ، يقهرونها ويضبطونها ويتصرفون بها كيف شاؤوا ، وهي ذليلة لهم ، لا تمتنع منهم ، ولو شاء لجعلها مستعصية عليهم ، مستوحشة نافرة منهم ، فلا يستفيدون منها ، فترى الولد الصغير يقود البعير الكبير ، بل ولو كان القطار مائة بعير أو أكثر.
ثم أبان الله تعالى منافعها الملموسة ، فقال :
(وَذَلَّلْناها لَهُمْ ، فَمِنْها رَكُوبُهُمْ ، وَمِنْها يَأْكُلُونَ) أي وجعلناها لهم مسخّرة مذللة منقادة لهم ، لا تمتنع مما يريدون منها ، حتى الذبح ، فمنها مركوبهم الذي يركبونه في الأسفار ، ويحملون عليه الأثقال ، ومنها ما يأكلون من لحمها.
(وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ ، أَفَلا يَشْكُرُونَ؟) أي ولهم فيها منافع أخرى غير الركوب والأكل منها ، كالاستفادة من أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ، وهي لهم مشارب أي يشربون من ألبانها ، أفلا يشكرون خالق ذلك ومسخره وموجد هذه النعم لهم ، بعبادته وطاعته ، وترك الإشراك به غيره.
وهذا حثّ صريح على شكر الخالق المنعم بعبادته وطاعته ، وهو أبسط ما يوجبه الوفاء ، وتقدير المعروف والإحسان.
ولكن الكفار تنكروا لهذا الواجب ، وكفروا بأنعم الله ، واستمروا في ضلالهم وتركوا عبادة الله ، وأقبلوا على عبادة من لا يضر ولا ينفع ، وتوقعوا منه النصرة ، فقال تعالى :
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً ، لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) أي واتخذ هؤلاء المشركون