التفسير والبيان :
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا؟) أي سل أيها الرسول هؤلاء المنكرين للبعث : أيهم أشد خلقا ، أي أصعب إيجادا ، هم أم السموات والأرض وما بينهما من الملائكة والشياطين والمخلوقات العظيمة؟ والآية نزلت في الأشد بن كلدة وأمثاله ، سمي بالأشد لشدة بطشه وقوته.
والسؤال للتوبيخ والتقريع ، فإنهم يقرون أن هذه المخلوقات أشد خلقا منهم ، وإذا كان الأمر كذلك ، فلم ينكرون البعث؟ وهم يشاهدون ما هو أعظم مما أنكروا ، كما قال الله عزوجل : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [غافر ٤٠ / ٥٧] وقال سبحانه : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) [يس ٣٦ / ٨١].
ثم أوضح الله تعالى مدى هذا التفاوت ، فقال :
(إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) أي إنا خلقنا أصلهم وهو آدم من طين لزج يلتصق باليد. فإذا كانوا مخلوقين من هذا الشيء الضعيف ، فكيف يستبعدون المعاد؟ وهو إعادة الخلق من التراب أيضا ، أو من الماء الذي خالط التراب إذا مات الإنسان في الماء ، ولم ينكر ذلك من هو أقوى منهم خلقا وأعظم وأكمل. والمعنى : أن هذه الأجسام قابلة للحياة ، إذ لو لم تكن قابلة للحياة ، لما صارت حية في المرة الأولى ، والإله قادر على خلق هذه الحياة في هذه الأجسام.
ثم انتقل البيان القرآني من أسلوب لأسلوب ، فقال تعالى :
(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) أي لا حاجة لاستفتائهم ، فهم قوم معاندون ، وأنت يا محمد تتعجب من تكذيب هؤلاء المنكرين للبعث ، لأنك موقن إيقانا تاما بصنع الله وقدرته ، وبما أخبر الله تعالى به من إعادة الأجسام بعد فنائها ،