(قالُوا : إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) أي قال الأتباع للرؤساء : إنكم كنتم تأتوننا من جهة الخير ، فتصدوننا عنه. وقيل : إن اليمين مجاز مستعار من القوة والقهر ، أي كنتم تأتوننا من ناحية القهر والقوة وبحكم السيطرة والرياسة لكم علينا في الدنيا ، حتى تحملونا على الضلال ، وتقسرونا عليه. وقيل : تأتوننا من جهة الدّين ، فتهونون علينا أمره وتنفروننا عنه ، كما هو الشأن اليوم في كثير من الرؤساء والرفاق.
وكلمة (قالُوا) جواب عن سؤال مقدر ، فهو استئناف بياني.
فأجاب الرؤساء بجوابين :
١ ـ (قالُوا : بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي بل إنكم أنتم أبيتم الإيمان ، وأعرضتم عنه ، مع تمكنكم منه ، مختارين الكفر ، فقلوبكم هي القابلة للكفر والعصيان ، وكنتم من الأصل على الكفر. وكلمة (قالُوا) أي المخاطبون وهم قادة الكفر أو الجن.
٢ ـ (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ ، بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) أي لم يكن لنا عليكم من حجة وتسلط نسلبكم به اختياركم وتمكنكم ، بل كان فيكم طغيان وتجاوز الحد في الكفر ، ومجاوزة للحق الذي جاءتكم به الأنبياء ، وكنتم مختارين الطغيان ، فلهذا استجبتم لنا وتركتم الدين الحق ، وما كان منا إلا الدعوة ، وكانت منكم الإجابة اختيارا لا جبرا.
(فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) أي وجب علينا وعليكم حكم ربنا ، ولزمنا قول ربنا ، وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) فلنذوقن ما وعدنا به ، ونحن ذائقو العذاب لا محالة يوم القيامة. قال أبو حيان : والظاهر أن قوله : (إِنَّا لَذائِقُونَ) إخبار منهم أنهم ذائقون العذاب جميعهم الرؤساء والأتباع.