ثم وصف الله تعالى خمر الجنة البعيدة عن آفات خمر الدنيا ، فقال :
(بَيْضاءَ لَذَّةٍ (١) لِلشَّارِبِينَ ، لا فِيها غَوْلٌ ، وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) أي ذات لون أبيض شديد البياض ، لذيذة الطعم ، طيبة الرائحة ، لا كخمر الدنيا المرّة ذات النكهة المزعجة ، وهي لا تذهب بالعقول ، ولا تؤدي إلى صداع الرأس ، ووجع البطن ، وأنواع الأمراض ، كما هو شأن خمر الدنيا ، فهي بخلاف خمر الدنيا في جميع تلك الأوصاف ، لا تضر النفس والعقل والمال والشخصية ، بسبب نزع مادة الغول أي الكحول منها. وفي هذا إيماء إلى مفاسد خمر الدنيا من صداع وفساد وسكر ، وعربدة وهذيان ، وإفساد للدم ، وجهاز الهضم كله.
وبعد بيان صفة مشروبهم ذكر تعالى صفة زوجاتهم ، فقال :
(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ) أي لديهم زوجات عفيفات ، لا ينظرن إلى غير أزواجهن ، ولا يردن غيرهم ، ذوات عيون واسعة حسان. والعين جمع عيناء : وهي النجلاء الواسعة في جمال ، الحسناء المنظر ، وبه يتبين أنه تعالى وصف عيونهن بالحسن والعفة ، كما قال تعالى في الحور العين : (خَيْراتٌ حِسانٌ) [الرحمن ٥٥ / ٧٠].
(كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) أي كأن ألوانهن من البياض المشوب بأدنى الصفرة ، كالبيض المحصون المصون المستور الذي لم تمسه الأيدي ، ولم يتلوث بالريح والغبار. وهذا اللون أحسن ألوان النساء.
وبعد بيان ألوان المتعة المادية لأهل الجنة في المآكل والمشارب والمساكن والأزواج ، ذكر الله تعالى بعض أنواع المتع النفسية ، فقال :
__________________
(١) لذة : صفة بالمصدر على سبيل المبالغة ، أو على حذف ، أي ذات لذة ، أو على تأنيث لذ بمعنى لذيذ.