(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) أي أقدم بعضهم حال شربهم واجتماعهم ومعاشرتهم في مجالسهم ، يسأل بعضا آخر عن أحوالهم التي كانوا عليها في الدنيا ، وماذا كانوا يعانون فيها ، وذلك من تمام نعيم الجنة.
ومن موضوعات التساؤل قوله تعالى :
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ : إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ ، يَقُولُ : أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ، أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) أي قال مؤمن من أهل الجنة : كان لي صاحب في الدنيا كافر بالبعث منكر له ، يقول : أنحن إذا متنا وصرنا ترابا متفتتا وعظاما بالية ، أنكون محاسبين بعدئذ على أعمالنا ، ومبعوثين نجازى على ما قدمنا في الدنيا؟ فذلك أمر مستحيل غير معقول ولا مقدور لأحد ، فهل أنت مصدق مثل هذه الخرافات؟
(قالَ : هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ)؟ قال المؤمن لجلسائه : انظروا معي إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين الذي قال لي تلك المقالة ، كيف يعذب ، وكيف يجازى الجزاء الأوفى؟
(فَاطَّلَعَ ، فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) أي فنظر ذلك المؤمن إلى أهل النار ، فرأى قرينه في وسط جهنم ، يتلظى بحرّها.
(قالَ : تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ، وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) أي قال المؤمن لقرينه الكافر على جهة التوبيخ : لقد قاربت أن توقعني في الردى والهلاك بالإغواء ، وتهلكني بدعوتك إياي إلى إنكار البعث والقيامة ، ولو لا رحمة ربي وعصمته من الضلال ، وتوفيقه وإرشاده لي إلى الحق ، وهدايته لي إلى الإسلام ، لكنت من المحضرين معك في النار للعذاب.
ثم عاد ذلك المؤمن إلى مخاطبة جلسائه من أهل الجنة ، فقال :