فبعد أن أطنب الله تعالى في وعيد الكفار ، أردفه بهذا الوعد الشريف للمؤمنين ، كما هي سنة القرآن في إقران وإتباع أحدهما بالآخر ، مثل (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) [الحجر ١٥ / ٤٩ ـ ٥٠].
التفسير والبيان :
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا : رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) أي إن الذين أقروا بربوبية الله وتوحيده ، فهو الله وحده لا شريك له ، ثم داموا على التوحيد ، فلم يلتفتوا إلى إله غير الله ، واستقاموا وثبتوا على أمر الله ، فعملوا بطاعته ، واجتنبوا معصيته ، حتى ماتوا ، وهذا يشمل التزام أحكام الشرع الحنيف في العقائد والعبادات والمعاملات والمحظورات قولا وفعلا ، لأن الاستقامة لفظ عام. وقد ذكر في حديث بعض مظاهرها ، أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت يا رسول الله ، حدثني بأمر أعتصم به ، فقال : «قل : ربي الله ، ثم استقم» قلت : يا رسول الله ، ما أكثر ما تخاف علي؟! فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطرف لسان نفسه ثم قال : «هذا».
وكذلك ورد عن الخلفاء الراشدين تفسير الاستقامة ببعض جزئياتها ، فقال أبو بكر رضياللهعنه : استقاموا فعلا كما استقاموا قولا. وقال أيضا : (ثُمَّ اسْتَقامُوا) : لم يشركوا بالله شيئا. وقال عمر رضياللهعنه وهو يخطب على المنبر : استقاموا والله على الطريقة لطاعته ، ثم لم يروغوا روغان الثعالب. وقال عثمان رضياللهعنه : ثم أخلصوا العمل لله. وقال علي رضياللهعنه : ثم أدّوا الفرائض.
وأقوال التابعين بمعنى ما ذكر.
(تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا ، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ