لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي إن الله منزل القرآن هو غافر الذنب الذي سلف لأوليائه ، سواء أكان صغيرة أم كبيرة بعد التوبة أو قبل التوبة بمشيئته ، وقابل توبتهم المخلصة ، وشديد العقاب لأعدائه ، وذو التفضل والإنعام والسعة والغنى ، ينعم بمحض إحسانه تعالى ، وهو الإله الواحد الذي لا شريك له ولا ندّ ولا صاحبة ولا ولد ، وإليه المرجع والمآب في اليوم الآخر ، لا إلى غيره.
ثم ذكر تعالى أحوال المجادلين في القرآن بقصد إبطاله وإطفاء نوره ، فقال :
(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) أي ما يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها إلا الذين كفروا ، فهم يجادلون بالباطل بقصد دحض الحق ، كوصفهم القرآن بأنه شعر أو سحر أو أساطير الأولين ، فلا تغترّ أيها النبي وكل مؤمن بشيء من رفاهية الدنيا التي تراهم فيها ، كالتجارة في البلاد ، وتحقيق الأرباح ، وجمع الأموال ، فإنهم معاقبون عما قليل ، وعاقبتهم في النهاية الدمار والهلاك ، وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما قال تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ، مَتاعٌ قَلِيلٌ ، ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ، وَبِئْسَ الْمِهادُ) [آل عمران ٣ / ١٩٦ ـ ١٩٧] ، وقال سبحانه : (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ، ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) [لقمان ٣١ / ٢٤].
ويلاحظ أن الجدال نوعان : جدال في تقرير الحق ، وجدال في تقرير الباطل ، أما الجدال بالحق لبيان غوامض الأمور والوصول إلى فهم الحقائق : فهو جائز مشروع ، اتخذه الأنبياء أسلوبا في دعوتهم إلى الدين الحق ، قال تعالى حكاية عن قوم نوح عليهالسلام أنهم قالوا له : (يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) [هود ١١ / ٣٢] ، وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل ١٦ / ١٢٥].
وأما الجدال بالباطل كالمذكور هنا فهو مذموم ، كما قال تعالى : (ما ضَرَبُوهُ