ثم نبّه الله تعالى إلى أن الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك قديم ، فقال : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ، أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) أي واسأل سلالات الأمم التي أرسلنا فيها الأنبياء وعلماءهم ، هل أذن الله بعبادة الأوثان في ملة من الملل؟ والمعنى : جميع الرسل دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد ، كما قال جل جلاله : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ، وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل ١٦ / ٣٦].
والمراد بهذا التنبيه على إجماع المرسلين على التوحيد ، وعلى أن محمّدا صلىاللهعليهوسلم ليس ببدع من بين الرسل في الأمر به ، وهذا يدل على وحدة الدين الحق في أصوله ، ووحدة مهمة الأنبياء عليهمالسلام.
وسبب هذا الأمر أن اليهود والمشركين قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك ، فأمره الله بسؤاله الأنبياء على جهة التوقيف والتقرير والتأكيد ، لا لأنه كان في شك منه.
فقه الحياة أو الأحكام :
يؤخذ من الآيات ما يلي :
١ ـ إن الإضلال من الله تعالى لا يكون إلا بعد إعراض الناس عن أوامر الله ، فمن يتعام ويتغافل عن آيات القرآن وشرائعه وأحكامه ، ويعرض عنها إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم ، نهيئ شيطانا يغويه ، جزاء على كفره ، فهو له قرين وصاحب ملازم في الدنيا ، يمنعه من الحلال ، ويبعثه على الحرام ، وينهاه عن الطاعة ، ويأمره بالمعصية ، وقرين له في الآخرة في العذاب المشترك بينهما. قال أبو سعيد الخدري : «إذا بعث الكافر زوّج بقرينه من الشياطين ، فلا يفارقه حتى يصير به إلى النار».