ثم بيّن الله تعالى بطلان حجة المجادلين في دين الله ، فقال :
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ ، حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ، وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) أي والذين يخاصمون في دين الله من بعد ما استجاب الناس له ، ودخلوا فيه ، حجّتهم باطلة عند ربّهم ، أي لا ثبات لها ، كالشيء الذي يزلّ عن موضعه ، وعليهم غضب عظيم من الله لمجادلتهم بالباطل ، ولهم عذاب شديد يوم القيامة. وسميت دعاويهم الزائفة وأباطيلهم حجّة ودليلا ، مجاراة لهم على زعمهم.
قال مجاهد : وهؤلاء قوم توهّموا أن الجاهلية تعود ، فجادلوا الذين استجابوا للإسلام ، لعلهم يردّونهم إلى الجاهلية.
وقال قتادة : هم اليهود والنصارى ، ومحاجّتهم قولهم : نبيّنا قبل نبيّكم ، وكتابنا قبل كتابكم. والظاهر هذا الرأي ، روي أن اليهود قالوا للمؤمنين : ألستم تقولون : إن الأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف؟ فنبوّة موسى وحقيّة التوراة معلومة بالاتّفاق ، ونبوّة محمد ليست متّفقا عليها ، فوجب أن يكون الأخذ باليهودية أولى ، فدحض تعالى هذه الحجة ، لأن الإيمان بموسى عليهالسلام إنما وجب لظهور المعجزات على يديه ، للدلالة على صدقه ، وقد ظهرت المعجزات على يدي محمد صلىاللهعليهوسلم ، فوجب الإقرار بنبوّته.
ثم ردّ تعالى عليهم بقوله :
(اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) أي لقد أنزل الله جميع الكتب المنزلة على الرّسل إنزالا مشتملا على الحقّ مقترنا به ، وعلى أنواع الدلائل والبيّنات ، وأنزل الميزان في كتبه المنزلة ، أي العدل والتسوية والإنصاف ، ليحكم به بين البشر ، وسمي العدل ميزانا ، لأن الميزان آلة الإنصاف والتّسوية بين الناس