وليس المراد الانقطاع عن أعمال النهار ، والعكوف على الذكر والعبادة ، فهذا يتنافى مع قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) بل المراد التنبيه إلى أنه ينبغي ألا يشغله السّبح في أعمال النهار عن ذكر الله تعالى.
والتبتل : الانقطاع إلى عبادة الله عزوجل ، أي انقطاع الإنسان بعبادته إلى ربه ، دون أن يشرك به غيره ، وليس المعنى الانقطاع عن مشاغل الحياة لكسب المعيشة من طرق عزيزة كريمة ، لا يكون فيها الإنسان عالة على غيره. فقد ورد في الحديث النهي عن التبتل بمعنى الانقطاع عن الناس والجماعات. وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) [المائدة ٥ / ٨٧] وهذا يدل على كراهة من تبتّل ، وانقطع عن الناس ، وسلك سبيل الرهبانية.
والخلاصة : التبتل المأمور به : الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة ؛ كما قال تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البيّنة ٩٨ / ٥]. والتبتل المنهي عنه : هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والترهب في الصوامع.
٧ ـ إفراد الله بالتوكل عليه : كما أن المؤمن مطالب بإفراد الله بالعبادة ، مطالب أيضا بإفراده بالتوكل عليه ، فمن علم أن الله رب المشارق والمغارب ، انقطع بعمله وأمله إليه ، وفوّض جميع أموره إليه ، فهو القائم بأمور العباد ، الكفيل بما وعد.
٨ ـ الصبر على الأذى في سبيل الدعوة : أمر الله نبيه بأن يصبر من أجل دعوته على الأذى والسب والاستهزاء من سفهاء قومه الذين كذبوه ، وبألا يتعرض لهم ، ولا يعاتبهم ويداريهم. قال قتادة وغيره : وكان هذا قبل الأمر بالقتال ، ثم أمر بعد بقتالهم وقتلهم ، فنسخت آية القتال ما كان قبلها من الترك. وأرى أن هذا من منهج الدعوة الدائم وسياستها الثابتة التي يحتاج إليها الدعاة في