فكان يحدث بأحاديثه تلك أمام العامة والخاصة ، كما كان يحدث بها أمام الجند ، مما دفع حبيب بن مسلمة الفهري ـ أحد القادة ـ الى تحذير معاوية من مغبَّة ذلك ، وهذا ما يؤكده قول إبن بطَّال ـ المتقدم ـ من أنه كان كثير المنازعة لمعاوية والاعتراض عليه ، وكان في جيشه مَيل له .
ولا يغرب عن بالنا ، أن معاوية ـ بالاضافة الى تكريس نفسه أميرا على الشام ـ كان يمني نفسه بالخلافة مع أول فرصة تلوح ، وكان يمهد لذلك أيام إمارته . لذا ، فانه يرى أن وجود أبي ذر وأمثاله من المبرزين ، ضمن دائرة سلطانه ، قد يحول دون استقامة هذا الامر له ، فكان أحرص على إبعاده عنه ، من ابعاد عثمان إياه عن المدينة . فكتب الى عثمان فيه :
« انك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر . » ١
والواقع : أنه أفسدها على معاوية وعلى عثمان معاً ، لأنه كان يندد بأعمال الولاة ، وانجرافهم ، واستئثارهم بالفيء ، بحجة انه « مال الله » ، وكأن الله سبحانه قد أوكل بهذا المال ـ المال الذي أفاءه الله على المسلمين بفضل جهادهم ـ الى عثمان ، كي يبيح لمعاوية صرفه في سبيل غاياته الشخصية . وكي يعطيه لمروان بن الحكم ، وللحكم ابن ابي العاص ( طريد رسول الله ) ، ولأبي سفيان ! ! ولعبد الله بن سعد ! ومن هم على شاكلتهم ممن جرّوا الويلات على هذه الامة بتحكمهم في رقاب الناس ، وفي مقدراتهم .
ويظهر ان عثمان ـ بعد ورود كتاب معاوية عليه ـ وجد مبرراً للانتقام من أبي ذر ، وتأديبه كما يشتهي ، فكتب الى معاوية :
« أما بعد ، فاحمل جندبا الي على أغلظ مركب وأوعره . . » ٢
__________________
(١) اليعقوبي ٢ / ١٧٢ .
(٢) الغدير ٨ / ٢٩٣ .