فعلت هذا فمروا وامضوا» (١) كيد أخير كاد به نفسه وقومه.
وهنا (بَغْياً وَعَدْواً) تقرران مدى الملاحقة الصامدة الباغية العادية ، وقد تعني «عدوا» بعد «بغيا» مع العداء ، العد والركض أنهم أسرعوا في ذلك الإتباع فأسرع في إدراكهم الغرق.
وهنا «أدركهم» دون «أغرقهم» تلمح أن الغرق استقبلهم محيطا بهم بعد ما تقدموا في البحر لحد لم يبق لهم مجال الرجوع ، فقد كان اتباعا في الغور ، تجاوزا عن الساهل.
أجل «أدركه» إلى درّك النار في نفس البحر برزخيا وكما كان لقوم نوح : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٧١ : ٢٥) (٢).
(أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) فعاين الموت ولم يعد يملك نجاة على قوته! فبرزت فطرته المحجوبة ، وظهرت عقليته المدخولة المعقولة ف (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فلقد سقطت عن الباغية الطاغية كل أرديته التي تنفخ فيه فتظهره لقومه هائلة مخيفة ساقطا من علوائه ، هابطا من غلوائه ، فتضاءل وتصاغر واستخذى ، فسقط في يديه ، وزاد ـ بادعائه قولا ـ على إيمانه إسلامه وهو بالغ الإيمان لحد التسليم لرب العالمين ، ولكن :
(آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)(٩١).
«ءآلئن» وقد مضى يوم خلاص ولات حين مناص؟ الآن حيث لا
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٣١٨ في تفسير العياشي عن أبي عمرو عن بعض أصحابنا يرفعه قال : لما صار موسى في البحر اتبعه فرعون وجنوده ، قال : فتهيب فرس فرعون أن يدخل البحر فتمثل له جبرئيل (عليه السلام) على رمكة فلما رأى فرس فرعون الرمكة اتبعها فدخل البحر هو وأصحابه فغرقوا.
(٢) الدر المنثور ٣ : ٣١٦ ، أخرج أبو الشيخ عن أبي أمامة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : .. أقول ورواه عنه مثله ابن عباس وأبو هريرة وابن عمر باختلاف يسير ، وهي مشتركة في ضرب الحماة.