ثم الإيمان كما الكفر ليس إلّا بإذن الله بعد اختيار الكفر أو الإيمان من المكلفين دون فوضى جزاف ، فالإذن التكويني الرباني لاحق كلما يحصل من كفر وإيمان ، ولكنه ليس مسيّرا لكفر أو إيمان ، فإنما هو بعد ما يختاره المختار من كفر أو إيمان ، فإذنه للكفر ـ إذا ـ تركه تأييده في سبيل الإيمان ، أم وحمله أيضا على كفر أكثر جزاء وفاقا على كفره المختار (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ، كما إذنه للإيمان ـ إذا ـ تأييده في سبيل الإيمان فازديادا له : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ).
(وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ) الكفر (عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) جزاء على رجسهم المعمد إذ لم يستعملوا عقولهم.
ذلك ، فكما أن عدم إذنه تعالى أن تؤمن النفوس المتخلفة عن علم وعمد عن شرعة الله ، لا يعني إلا عدم توفيقه لهم في ذلك ، كذلك (يَجْعَلُ الرِّجْسَ) يعني رجس العذاب قضية رجس الكفر ، ومن رجس العذاب الختم على قلوبهم ، وإرسال الشياطين إليهم وتقييضهم عليهم.
وأما الإذن التشريعي فهو يعم كافة المكلفين ، كما التكويني المسيّر لإيمان أم كفر ، لا دور له على أية حال ، وإنما هو التوفيق وعدمه للإيمان وعدمه بعد ما اختاروا إيمانا أو كفرا.
فإذنه تعالى لمريد الإيمان تيسير له دون تسيير ، كما إذنه لمريد الكفر
__________________
ـ بالإيمان ما كانت مكلفة متعبدة وإلجاءها إياه إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبد عنها ، فقال المأمون : فرجت عني فرج الله عنك.
وفيه عن كتاب التوحيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول : اجعلوا أمركم لله ولا تجعلوه للناس فإنه ما كان لله فهو لله وما كان للناس فلا يصعد إلى الله ، لا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب إن الله عزّ وجلّ قال لنبيه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وقال : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ذروا الناس فإن الناس أخذوا عن الناس وإنكم أخذتم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإني سمعت أبي يقول : إن الله عزّ وجلّ إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره.