وخائنة أعينهم وما تخفي صدورهم من الضمير ومستقرهم ومستودعهم من الأرحام والظهور إلى أن تتناهى بهم الغايات» (١).
فبين مستقرات الأرحام والظهور ومستودعاتها إلى أن تتناهى بهم الغايات ، كلها معلومة لربنا سبحانه وتعالى ، حيث (كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) من علمه المكنون دون أن يعزب عنه شيء.
ف (مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) تعم كافة حالات الدواب طول حياتها ، حيث يعنيان جنسهما دون شخص خاص أم لأشخاص خصوص : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ. فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٥١ : ٢٣) وقد (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (٦ : ١٢) مما يؤكد أن رزق كل دابة على أية حال ، وفي كل حلّ وترحال ، مضمون عند الله لا يتخطاه.
فقد تقول دودة في قلب الصخرات : «سبحان من يراني ويسمع كلامي ويعرف مكاني ولا ينساني» (٢) وترى (عَلَى اللهِ رِزْقُها) تعطيل لأسباب الرزق المقررة المدبرة لمن يحمل رزقه بسعيه؟ (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢٩ : ٦٠) قد تخصص «على» في فرضها بمن لا تحمل رزقها ، ثم (عَلَى اللهِ) تحمل فيمن تحمل رزقها على ما قرره الله لها من سعي (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)!.
__________________
(١) نهج البلاغة عن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام.
(٢) وفي تفسير الفخر الرازي ١٧ : ١٨٦ روى أن موسى (عليه السلام) عند نزول الوحي تعلق قلبه بأحوال أهله فأمره الله تعالى أن يضرب بعصاه على صخرة فانشقت فخرجت وخرجت صخرة ثانية ثم ضرب بعصاه عليها فانشقت وخرجت صخرة ثالثة ثم ضربها فانشقت فخرجت منها دودة كالذرة وفي فمها شيء يجري مجرى الغذاء لها ورفع الحجاب عن سمع موسى (عليه السلام) فسمع الدودة تقول : ..
وفي الدر المنثور ٣ : ٣٢١ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا كان أجل أحدكم بأرض أتيحت له إليها حاجة حتى إذا بلغ أقصى أثره منها فيقبض فتقول الأرض يوم القيامة هذا ما استودعتني.