(قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) (نَسْخَرُ مِنْكُمْ) حين تسخر منكم أمواج البحر الحيط الملتطم (كَما تَسْخَرُونَ) جزاء وفاقا (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) حين نخلص من صناعة الفلك ويجيء أمر الله (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) في خضمّ الطوفان (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) منذ الغرق إلى يوم القيامة الكبرى ، ف (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) (٧١ : ٢٥).
ذلك «ويصنع» مضارعة لحكاية الحال الماضية تصويرا لها كأنها حاضرة ، ثم (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) جمعا حيث كان معه جمع المؤمنين في صنع الفلك ، وهي طبيعة الحال في القلة المؤمنة أمام الثّلة الكافرة.
والسخرية جزاء لسخرية ليست من الجهالة ، بل هي من العدالة (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٩ : ٧٩) (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٢ : ١٥). وهنا (كَما تَسْخَرُونَ) موازنة عادلة بين السخريتين ولا يظلمون فتيلا.
وقد وردت في حجم الفلك وطوابقه مختلف الأثر ، والقدر المعلوم منه أنه فلك يحمل نوحا والذين معه من المؤمنين ، كما ويحمل من كلّ زوجين اثنين من مختلف حيوان البر ، فلا بد من سعة عظيمة لذلك الفلك حتى يكون هو (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) : (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (٢٦ : ١١٩) (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (٣٦ : ٤١).
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (٤٠).
فوران التنور هنا ـ أيّا كان ـ هو من آيات (جاءَ أَمْرُنا) (١) حيث الماء
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٣٥٥ تفسير القمي عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ) فأين كان موضعه وكيف كان؟ فقال : كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة ـ