وأين كان الكائن الإنساني في البويضة ، في النطفة الجرثومية ، بملامحه وسماته المنقولة عن وراثات موغلة في الماضي ، المتشعبة المنابع والنواحي ، وأين كانت نبرات الصوت ولحظات العين ولفتات الجيد واستعدادات الأعصاب ، ووراثات الجنس والعائلة والوالدين ، وأين وأين كل هذه المخرجات الحية من الميتات والميتة من الأحياء بتفاصيلها ومحاصيلها.
نحن ـ على التقدم العلمي البارع ـ لا نستطيع أن نخرج أيا من هذه الإخراجات اللهم إلّا أن نكون أسبابا قدرها الله للبعض منها كاللقاح حيث ينتج الحمل ، والمخرج على أية حال هو الله تعالى شأنه العزيز.
(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)(٣٢).
«ذلكم» البعيد المحتد عن معرفتكم حقا ، القريب بآياته حقا ، هو (اللهُ رَبُّكُمُ) دون غير الله من أرباب اتخذتموها له شركاء (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) أيا كان بعده وإيان (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) وتخرفون فتهرفون وتجرفون؟.
ذلك ، فكل شيء ، وكل قول أو فعل أو نية أو علم وما أشبه ، هو بين حق وضلال عن الحق ، فلا عوان بينهما مهما كان الحق درجات والضلال دركات.
فالله الحق حق وغيره ضلال عن ذلك الحق ، إلّا من هداه فهو على هامش الحق قدر نصيبه منه ، وكل ما شك في حقه وضلاله فليعرف حقه وضلاله من إله الحق فانه الحق المطلق المطبق.
فليس الحق زواية ثالثة من هندسة الكون حتى يقاس حتى الله بذلك الحق ، بل هو بنفسه حق ، والمدار الأصيل لكل حق نسبي سواه ، فالحق الثابت الذي لا عوج له ولا حول عنه ، والحق الصدق الذي لا ضلال فيه ولا كذب ، والحق في كل حقوله الحقة الحقيقية الطليقة هو الله الحق لا سواه.