ذلك ومن الناحية الأدبية قد يكون «الحق» وصفا ل «الله» كما يصف «ربكم» ف «الله الحق هو ربكم الحق» والإله الباطل ليس ربكم ، وهم يجعلون الله خالقا وغيره أربابا ، وهذا خلع لساحة الألوهية عن الحق الحقيق بالربوبية.
ثم «الحق» الأول هو الحق الأول ، والحق الثاني يشمل الأول والثاني ، فما ذا بعد الله الحق ربكم الحق إلا آلهة الضلال ، وما ذا بعد طليق الحق ـ من الحق الأول إلى سائر الحق ـ إلّا الضلال.
(فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) حيث تصرفكم الأهواء الغاوية الهاوية منكم وممن سواكم من شياطين الجن والإنس ، ولأن «أنّى» سؤال عن الزمان فقد يشمل كل مكان وأيا كان من منصرف إليه ، فأين وأيان وإلى م تصرفون عن الله الحق إلا إلى الضلال؟.
ولأن (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) سؤال تنديد شديد ، فالصارف لهم عن الحق ـ إذا ـ ليس هو الله ، بل هو كل صارف آفاقي وأنفسي لا يصرفها الله حين ينصرف بها المنصرفون حتى لا يكون هناك جبر وتسيير على الهدى وترك الضلال ، كما ليس على ترك الهدى وفعل الضلال ، فلا يعني مثل (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إلا مشيئة المضلّلين والمهتدين ، وإلّا مشيئة الله بما يشاؤه هؤلاء وهؤلاء كما تقتضيه الحكمة العالية الربانية ، فلكلّ نصيبه من مشيئة الله بما يختاره كل من المضلّل والمهتدي ف (الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ..) (٤٧ : ١٧) ولغيرهم (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (٦١ : ٥) ف (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (١٧ : ٢٠).
وبمثل ذلك الانصراف عن الحق إلى الضلال بصوارف ، وهم يعترفون بواضح الحق ناكرين نتائجه اللازمة ، قدر الله في ناموس سنته أن هؤلاء الذين ينصرفون عن الفطرة والعقلية السليمة لا يؤمنون :
(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٣٣).