ذلك ، فإذا تحقق الحق إمرة وسواها في أهله فالمفروض أن يتبع ، وكما في خطبة للإمام الحق علي أمير المؤمنين (عليه السلام) :
«أما بعد فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقا بولاية أمركم ، ولكم عليّ من الحق مثل الذي لي عليكم ، والحق أوسع الأشياء في التواصف ، وأضيقها في التناصف ، لا يجري لأحد إلا جرى عليه ، ولا يجري عليه إلا جرى له ، ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه ، لقدرته على عباده ، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضاءه ، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه ، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله» (الخطبة ٢٠٧).
وفصل القول حول الآية أن الإتباع مخصوص لمن هو هاد لا يحتاج إلى الاهتداء ، أم هو مهتد فيهدي من ليس على هداه ، ففي مسرح الهدى الطليقة الذاتية «من يهدي للحق وإلى الحق» هو الله تعالى شأنه ليس إلّا هو ، وفي مسرح طليق الهدى فالحاصل عليها كأفضلها يتّبع ، وغير الحاصل أو غير الأفضل لا يتّبع ، وهذه ضابطة ثابتة في كل الأعراف العاقلة أن المتّبع لا بد وأن يتبع الأهدى فالأهدى ، فإذا وجد الهادي الطليق في هداه فهو المتّبع ليس إلّا ، وإلّا فمن دونه وهو فوق سائر الهادين.
فهذه الآية هي من عساكر البراهين القرآنية الدالة على وجوب تقليد الأعلم الأتقى فإنهما الهدى اللائقة بالاتباع ، ثم الأتقى العالم أمام التقى الأعلم ، حيث الهدى في أصلها في حقل التقى.
ثم «من لا يهدي إلّا أن يهدى» هو منطبق تماما على من يهتدى حين يهدى ، ثم على من لا يهتدى وإن يهد فإن فيه أصل قبول الهدى مهما يرفضها ، ثم من لا يمكن أن يهدى اللهم إلّا أن يخلق فيه قابلية الهدى ، وهي الجمادات أو الأشجار المعبودة من دون الله وسواها ، أو يقال إن الهدى هنا عامة تشمل الخلق كله إذ (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) فالخلق ككل ليس ليهدّي إلّا أن يهدى ، والمهدي منه بين من يهدي إلى الحق ومن لا يهدي إلى حق أو باطل أم يهدي إلى