فلا ييأس من رحمة ربه مهما كانت غريبة خارقة ، ومهما كان هو في شدة مدلهمّة يغيب
معها الأمل في ظلام الحاضر ، ف (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) مهما كانت بعيدة عن المسيئين.
فالقنوط من رحمة الرب خروج عن الحالة الوسطى الايمانية : بين الخوف والرجاء ، وتهمة على الرب وسوء ظن به (١) انه عاجز ام ضنين ام غير رحيم ، فمهما كانت الرحمة غالية ، والعبد غير لائق لها ، ولكن الرب اهل للرحمة إذا كان العبد أهلا للرحمة ، ف «الفاجر الراجي لرحمة الله أقرب منها من العابد القنط» (٢) حيث الفاجر الراجي قد ينجو برجائه فيصلح ، والعابد القنط لا ينجو مهما عبد فيفسد ، فالقانط من رحمة ربه ضال عن ربه معرفة وعملا ، إذ لم يعرفه بالقدرة والرحمة الواسعة ، فلا يعمل عمل الراجي ، إذا أذنب لا يرجو غفرانه ، وإذا أطاع لا يرجو مزيده!
وهكذا انسان ضال عقائديا وعمليا ، واين ابراهيم شيخ المرسلين من هؤلاء الضالين؟.
(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ)(٥٧).
الخطب هو الأمر العظيم الذي يكثر فيه التخاطب والحوار ، وكيف عرف ان لهم خطبا غير ما بشروا؟ علّهم قدّموا أمورا بعدها تدل على أمر عظيم غيرها ، فلذلك يسألهم استفهاما واستعلاما بعد ما تأكد انهم مرسلون ، وهم بدأوا ببشارة الغلام العليم ، ليتهيأ الجو لبيان الخطب العظيم ، حتى
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٢٢ عن التوحيد للصدوق باسناده الى معاذ بن جبل حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيه : قال الله يا بن آدم باحساني إليك قويت على طاعتي وبسوء ظنك بي قنطت من رحمتي.
(٢) الدر المنثور ٤ : ١٠٢ ـ اخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن مسعود قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ...