من فوقهم ودمّروا عن بكرتهم ، (تَبَيَّنَ لَكُمْ) إذ أشهدناكم مساكنهم بساكنيها ، (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) لهؤلاء من الغابرين (١).
ويا لهذه الأمثال المتجددة عبر الأجيال والقرون من عبر حيث تتجدد في طول الحياة ، فكم من طغاة سكنوا مساكن آخرين ، بعد ما هلكوا ، وأحيانا على أيديهم أنفسهم ، ثم هم أولاء يتجبرون ويطغون ولا يبالون او يتذكرون ، سائرين سيرة الهالكين ، دون ان تهز آثار الغابرين ضمائرهم ، وتوقظ أعينهم وتصوّر لهم مصائرهم في مسايرهم :
(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ)(٤٦).
(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) الكافر الغادر المائر كما اسطاعوا ، مكرا على الله ورسالاته ورسله وتشريعاته ، لكن (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) فالله لا يمكر مهما مكروه ، حيث المكر كله «عند الله» و (ما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٦ : ١٢٣) فحتى (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (٣٥ : ٤٣) (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) (١٣ : ٤٢).
فليمكروا ما تزول منه الجبال ام اكبر منه وأنكى ، ف (عِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً).
أترى (عِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) و (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) تعنيان فاعلية المكر كله ، انها لله وعند الله؟ نقول (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) إذ لا يستطيع الماكرون ان يمكروا إلا باذنه تكوينا مختارا دون تشريع ، ألّا يمنعهم من مكرهم ، ويأذن لمكرهم بعد ما اختاروه بمقدماته الاختيارية ، ثم (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) عندية الحيطة العلمية وفي القدرة ، فلا يغلب او يمكر بمكرهم عجزا عن
__________________
(١) الواو هنا حالية تعني «أَوَلَمْ تَكُونُوا ..» حال انكم سكنتم وتبين لكم.