مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)؟!.
انهم يقولون ما لا يعلمون ولا يتحققون ، كالرامي غرضا وبينه وبينه مسافات متباعدة ، فلا يكون سهمه ابدا إلا قاصرا عن الغرض عادلا عن السدد.
(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)(٥٤).
وعلّ هنا «من قبل» يصدق الشمول ليوم الموت والرجعة ، فان فيهما (من قبل ومن بعد) واما الآخرة فهو يوم الجمع (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) ثم «من قبل» في موقف القيامة علّه «قبل» رتبيّ ، أم إن الحيلولة هي في موقف الحساب والعقاب وله من قبل ومن بعد (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها)!
وعلي أية حال فالمحور الرئيسي هنا هو الآخرة ، والأوليان تلحقانها من باب الجري كما استفاضت به الرواية.
و «ما يشتهون» هنا تعم شهوة الضلالة التي كانوا يعيشونها ، فحيل بينهم وبينها ، والهدى التي هنا يرجونها ف «انهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال وقد كان لهم مبذولا من حيث ينال» (١) وهما في الأولى ، كما (حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) ألّا يعذبوا في الاخرى : (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)(٣٥)!
الا وكل «ما يشتهون» عنهم منفية ، وكل ما يكرهون لهم مقضية ، فهم عائشون هناك الحيلولة بينهم وما يشتهون ، كما عاشوا هنا وما
__________________
(١) تفسير البرهان ٣ : ٣٥٥ ـ القمي بسند عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله : وأنى لهم التناوش من مكان بعيد قال : انهم ..