ثُمَّ حَلَفَ بِاللّه لَيَقدَمَنَّ إلى بَيتِ اللّه الحَرامِ فَيَستَعدِي اللّه عَلَيَّ.
قالَ : فَصامَ أسابيعَ ، وصَلّى رَكَعاتٍ ، ودَعا ، وخَرَجَ مُتَوَجِّها عَلى عَيرانَةٍ ١ يَقطَعُ بِالسَّيرِ عَرضَ الفَلاةِ ، ويَطوِي الأَودِيَةَ ويَعلُو الجِبالَ ، حَتّى قَدِمَ مَكَّةَ يَومَ الحَجِّ الأَكبَرِ ، فَنَزَلَ عَن راحِلَتِهِ وأقبَلَ إلى بَيتِ اللّه الحَرامِ ، فَسَعى وطافَ بِهِ ، وتَعَلَّقَ بِأَستارِهِ وَابتَهَلَ ، وأنشَأَ يَقولُ :
يا مَن إلَيهِ أتَى الحُجّاجُ بِالجَهَدِ |
|
فَوقَ المَهاوي مِنَ اقصى غايَةِ البُعدِ |
إنّي أتَيتُكَ يا مَن لا يُخَيّبُ مَن |
|
يَدعوهُ مُبتَهِلاً بِالواحِدِ الصَّمَدِ |
هذا مُنازِلُ لا يَرتاعُ مِن عققي |
|
فَخُذ بِحَقّيَ يا جَبّارُ مِن وَلَدي |
حَتّى تُشِلَّ بِعَونٍ مِنكَ جانِبَهُ |
|
يا مَن تَقَدَّسَ لَم يُولَد ولَم يَلِدِ |
قالَ : فَوَالَّذي سَمَكَ السَّماءَ ، وأنبَعَ الماءَ ، مَا استَتَمَّ دُعاءَهُ حَتّى نَزَلَ بي ما تَرى ـ ثُمَّ كَشَفَ عَن يَمينِهِ فَإِذا بِجانِبِهِ قَد شَلَّ ـ فَأَنَا مُنذُ ثَلاثِ سِنينَ أطلُبُ إلَيهِ أن يَدعُوَ لي ٢ فِي المَوضِعِ الَّذي دَعا بِهِ عَلَيَّ فَلَم يُجِبني ، حَتّى إذا كانَ العامُ أنعَمَ عَلَيَّ فَخَرَجتُ عَلى ناقَةٍ عُشَراءَ ٣ أجِدُّ السَّيرَ حَثيثا رَجاءَ العافِيَةِ ، حَتّى إذا كُنّا عَلَى الأَراكِ ٤ وحَطَمَةِ وادِي السِّياكِ ٥ ، نَفَرَ طائِرٌ فِي اللَّيلِ فَنَفَرَت مِنهُ النّاقَةُ الَّتي كانَ عَلَيها فَأَلقَتُه إلى قَرارِ الوادي ، وَارفَضَّ بَينَ الحَجَرَينِ ، فَقَبَرتُهُ هُناكَ ، وأعظَمُ مِن ذلِكَ أنّي لا اُعرَفُ إلاّ «المَأخوذَ بِدَعَوةِ أبيهِ».
فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليهالسلام : أتاكَ الغَوثُ! ألا اُعَلِّمُكَ دُعاءً عَلَّمَنيهِ رَسولُ اللّه صلىاللهعليهوآله وفيهِ اسمُ اللّه الأَكبَرُ الأَعظَمُ العَزيزُ الأَكرَمُ ، الَّذي يُجيبُ بِهِ مَن دَعاهُ ، ويُعطي بِهِ مَن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١. العَيرانة من الإبل : الناجية في نشاط ، سُمّيت لكثرة تَطْوافِها وحركتها (تاج العروس : ج ٧ ص ٢٨٢ «عير»).
٢. في المصدر : «يدعوني» ، والتصويب من بحار الأنوار.
٣. العُشَراء : الَّتي أتى على حَملها عشرة أشهر ، ثمّ اتّسع فيه فقيل لكلّ حامل : عُشراء (النهاية : ج ٣ ص ٢٤٠ «عشر»).
٤. الأراك : هو وادي الأراك ، قرب مكّة (معجم البلدان : ج ١ ص ١٣٥).
٥. في المصدر : «وحطته وادي السجال» ، والتصويب من بحار الأنوار.