فَقالَ لَهُ : مِن بَعضِ العَرَبِ.
فَقالَ لَهُ : ما حالُكَ ، ومِمَّ بُكاؤُكَ وَاستِغاثَتُكَ؟!
فَقالَ : حالُ مَن أُوخِذَ بِالعُقوقِ فَهُو في ضيقٍ ، ارتَهَنَهُ المُصابُ ، وغَمَرَهُ الاِكتِئابُ فَارتابَ ١ ، فَدُعاؤُهُ لا يُستَجابُ.
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليهالسلام : ولِمَ ذلِكَ؟!
فَقالَ : لاِ نّي كُنتُ مُلتَهِيا في العَرَبِ بِاللَّعِبِ وَالطَّرَبِ ، اُديمُ العِصيانَ في رَجَبٍ وشَعبانَ ، وما اُراقِبُ الرَّحمنَ ، وكانَ لي والِدٌ شَفيقٌ يُحَذِّرُني مَصارِعَ الحَدَثانِ ، ويُخَوِّفُنِي العِقابَ بِالنّيرانِ ، ويَقولُ : كَم ضَجَّ مِنكَ النَّهارُ وَالظَّلامُ ، وَاللَّيالي وَالأَيّامُ ، وَالشُّهورُ وَالأَعوامُ ، وَالمَلائِكَةُ الكِرامُ؟! وكانَ إذا ألَحَّ عَلَيَّ بِالوَعظِ زَجرَتُهُ وَانتَهَرتُهُ ، ووَثَبتُ عَلَيهِ وضَرَبتُهُ ، فَعَمَدتُ يَوما إلى شَيءٍ مِنَ الوَرِقِ ٢ وكانَت فِي الخِباءِ ، فَذَهَبتُ لاِخُذَها وأصرِفَها فيما كُنتُ عَلَيهِ ، فَمانَعَني عَن أخذِها ، فَأَوجَعتُهُ ضَربا ولَوَيتُ يَدَهُ ، وأخَذتُها ومَضَيتُ.
فَأَومَأَ بِيَدِهِ إلى رُكبَتَيهِ يَرومُ النُّهوضَ مِن مَكانِهِ ذلِكَ ، فَلَم يُطِق يُحَرِّكُها مِن شِدَّةِ الوَجَعِ وَالأَلَم ، فَأَنشَأَ يَقولُ :
جَرَت رَحِمٌ بَيني وبَينَ مُنازِلٍ |
|
سَواءً كَما يَستَنزِلُ القَطرَ طالِبُه |
ورَبَّيتُ حَتّى صار جَلدا شَمَردَلاً |
|
إذا قامَ ساوى غارِبَ الفَحلِ غارِبُه |
وقَد كُنتُ اُوتيهِ مِنَ الزّادِ فِي الصِّبا |
|
إذا جاعَ مِنهُ صَفوَهُ وأطايِبَه |
فَلَمَّا استَوى في عُنفُوانِ شَبابِهِ |
|
وأصبَحَ كَالرُّمحِ الرُّدَينيِّ خاطِبُه |
تَهَضَّمَني مالي كَذا ولَوى يَدي |
|
لَوى يَدَهُ اللّه الَّذي هُوَ غالِبُه |
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١. في بحار الأنوار : ج ٤١ ص ٢٢٥ «فإن تابَ» بدل «فَارتابَ».
٢. الورق : الدراهم (لسان العرب : ج ١٠ ص ٣٧٥ «ورق»).