طالعته ، كان يتكلم في التصوف وأن بعض الصالحين لم يتكلم في الجامع مع أحد من الناس ، وإذا احتاج أن يرد الجواب يخرج إلى باب الجامع ويرده. قلت لهم : فهمت ما فيه ، وأقدر أن أترجمه بالأعجمية. فتعجبوا فيما بينهم ، وقالوا لي : هذا الكتاب ساقوه من جزيرة كذا من الهنود المشرقية التي بيننا وبينها في البحر زمن طويل ، أقل من سنة في البلوغ إليها. وهذا عجب ، لأن بين بلادك وبينه شيء كثير ، وأنت تفهم ما في الكتاب ، وهذا يدل على أن العربية لسان واحد عام في كل بلد ، وكلامنا في هذه البلاد مختلف لسائر الألسن ، لأن في بلاد الأنجليز كلام واحد ، وأهل فرنجه بلغة أخرى ، وكذلك ببلاد الأندلس عجمية أخرى ، وكذلك في إيطالية ، وألمانية ، ومشقبيه (١٦٤). وكل لسان مختلف عن غيره ، وهذه العربية واحدة في الدنيا. وقالوا الحق في ذلك ، فهو كلام مبارك ، ومن يتكلم بها لا بد يذكر الله ، ولذلك كان يقول بعض من الأندلس : لا عربية بلا الله ، ولا عجمية بلا شيطان ، لأن النصارى يذكرونه كثير في كلامهم. ولا يكره العربية ، والكلام بها إلا من لا يعرف فضلها وبركتها (١٦٥) ، انتهى (١٦٦).
ثم مشينا من مدينة ليذا إلى مدينة الهايه (١٦٧) ، فيها دار أميرهم ، والديوان. والتقيت هنالك برسول الأمير. كنت عرفته بمراكش ، وكان شاكرا إلي كثيرا على ما وقفت معه في سجنه حتى خلصته منه. وسبب قدومه إلى مراكش أن سلطان بلاد الأندلس بعث الأغربة إلى الجزر التي قلنا أنها على غير طاعته ، فخرج إليهم أهل الجزر ، وأخذوا الأغربة ، ورموا من كان فيها من النصارى في البحر ، كذا قيل. وفكوا كل من كان فيها من المسلمين ، وكانوا أكثر من ثلاثة مائة ، وجعلوهم في سفينة عظيمة ، وبعثهم أهل فلنضس هدية إلى سلطان مراكش ، وكان ابن مولاي أحمد ،
__________________
(١٦٤) «ب» : ومسقوبيه.
(١٦٥) «ب» : فضلها قالت الصالحة مريم عليهاالسلام في كتاب مواهب الثواب لعباد الله المؤمنين فضل لسان العربية على ساير الألسن كفضل الشمس على دراري السماء ثم مشينا إلى النهاية.
(١٦٦) كتب في الطرة : وصح من هذا الكتاب العربي الذي ... أنهم سكان مسلمون.
(١٦٧) La Haye.