بالأعجمية (١٨٩) يطلب مني أن أكلم السلطان في فدائه. وقرأت الرسالة ، وبان لي مما كتب أنه من أكابر علمائهم. وكان في أعلى البراءة صليب مكتوب كما هي من عادتهم ، فكتبت له الجواب ، وقلت له أن يصير حتى نجد مفصلا (١٩٠) للكلام مع السلطان. ولما أنه صدر في أعلى كتابه الشرك بصورة الصليب الذي يعبدونه ، كتبت أن في أعلى الكتاب توحيد الله تعالى الذي هو ضد الشرك ، وكتبت بالأعجمية : بسم الله الواحد في ذاته ، واحد في صفاته ، واحد في أفعاله. وبعد أن قرأ الجواب كتب لي براءة ثانية ، وذكر فيها كلاما عن الذات الكريمة ، والصفات ، والأفعال ، موافقا لتوحيد المسلمين. ثم قال الله تبارك وتعالى : خلق آدم على هيئته ، أو على مثاله. وهذا القول هو ابتداء شركهم ، لأن مرادهم بالتشبيه أن سيدنا عيسى عليهالسلام له أصل في ذلك الخلقة للألوهية ، التي يقولون فيه ـ لعنهم الله وأخزاهم ـ. ثم كتبت له الجواب على الكفر الذي ذكر في كتابه ، وقلت له : الله تعالى منزه عن الشبيه ، والمثال.
وبرهان ذلك أن أبانا آدم عليهالسلام ولا شيء من جميع المخلوقات ، فلا تشبه إلى الله تعالى في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله. أما ذات الإنسان فهي حادثة ، والله تبارك وتعالى قديم ، والإنسان فان ، والله تعالى باق على الدوام ، والإنسان مفتقر أبدا إلى المحل ، والله تعالى غني عنه ، وقائم بنفسه ، والإنسان مفتقر أبدا ، والله تبارك وتعالى هو الغني ، وكل ما سواه مفتقر إليه. وأما الإنسان فله صفات مختلفات لصفات الله تعالى. فالإنسان له سمع ، وبصر ، وكلام ، وقدرة حادثة ، وعلم ، وغير ذلك من الصفات. أما السمع فيسمع الإنسان ما هو قريبا منه ، وإذا تكلم إليه جماعة من الناس في حين واحد ، فلا يفهم ما يقولون إلا أن يتكلم واحد وحده ، ويكون الكلام باللغة التي يعرف هو ، والله تبارك وتعالى يسمع البعيد والقريب ، وما تقوله جميع المخلوقات بلسان المقال ، ولسان الحال ، وما في الضمائر في حين واحد ، ولا يشغله شيء عن شيء. وأما البصر فالإنسان يبصر القريب بشروط ، مثل الضوء ، وأن
__________________
(١٨٩) «ب» : بالعجمية.
(١٩٠) «ب» : موصلا.