بعد منه يثبته ، قلت للقسيس : أظن أنه مصروع من الجن فاقرأ عليه أول ما ذكر يوحنا من الإنجيل ليذهب عنه الجن ، فقرأ عليه من الإنجيل ، وذهب الجن والشيطان ، وظهرت للقراءة البركة والبرهان ، وشهرت هنالك ولاية القسيس ، وضحك منه الجن مع إبليس ، وبرأ المريض في الحين ، وأخذه اثنان منهم كل واحد من تحت أبطه ، وصار يمشي معهم حتى صعد على حايط نار وهما معه ، فأطرح نفسه على واحد منهما عند هبوطه منه حتى كاد أن يوقعه.
ودخلنا البلد وجميع الناس مع القبطان وحكوا له كل ما طرأ ، وأن المريض بعد أن كان يموت برأ ببركة ما قرأ عليه القسيس ، ومشينا إلى الدار وجاء من أكابرهم ينصحونني أن لا نتركه يركب الحصان ، ولا يطلع على السور لئلا يصرعه الجن ، ثم جاء الطبيب وكانت له صنايع غير الطب كثيرة ، فكان يصقل السكاكين ، ويركب الرماح ، وأظنه يحلق ، وبيطار الخيل ، فقال الحكيم : ما هذا الذي أصابه فحكينا له ، وبقي متحيرا ماذا يأمرنا به من العمل للعليل ، اجعل عليه حوايج لعله يعرق ، فشكرته على حكمته ووضعنا الحوايج عليه ، فلما أن ذهبوا جميعا لم يسمع المريض أحد أخرج رأسه من تحت الحوائج وقال : كيف حالنا يا سيدي؟ قلت له : غط رأسك ما عندنا إلا الخير ، إن شاء الله ، وذهب النوم عنا في الليلة كلها ويوم أخر تبين لنا أن الله تعالى لطف بنا ، وبقي المريض سالما ونحن ندبر كيف العمل لنقضي الغرض حتى نخرج من بين الكفار. قلنا : لو كان واحد منا وحده كان يمكن الهروب والخروج بأن يخفي ويهرب والحال الاثنين صعب ، وكانت سفينة عازمة على الرجوع إلى بلاد الأندلس ، قلنا نرمي القرعة من يرجع منا في السفينة ، فرميناها وجات في ، وكانت الناس تتكلم بنا تقول : إني كنا نريد الهروب إلى بلاد المسلمين. فمشيت إلى القبطان وقلت له : أحب أرجع إلى بلاد الأندلس في هذه السفينة ، وإذا استغرضت شيئا من تلك البلاد فأعطني زماما به أبعثه إليك ، قال : وصاحبك يمشي معك : قلت له : أراد القعود هنا وأنت ترد بالك عليه ، لأنه غريب. فخرجت عشية وأوجدت ما يحتاج من الطعام في السفر ، فوجدت بقرب باب قاربا صغيرا ، فقال : أركب ، فأعطيته الطعام والحوايج وقلت له : إذا خرج التاجر الذي كان يمشي من البريجة نركب القارب الصغير ليبلغنا إلى السفينة الكبيرة ، فجلسنا هنالك ندعو الله تعالى أن