يتعطل التاجر حتى ينسد الباب ، ثم قالوا لصاحبي : ادخل عند سد الباب ، قلت لهم : دعوه معي حتى يخرج التاجر ، قالوا : نعم ، يقعد ، فأظلم الليل إلى أن صلنا العشاء الآخرة ، ثم دعونا الله أن يرشدنا ويسترنا من أعدائنا. قلنا : هذا وقت الخير فنذهب ـ إن شاء الله ـ إلى أزمور ، قلت لصاحبي : ما ظهر لك أن نصنع في ذهابنا ، قال : كيف ما ظهر لك ، قلت له : يا صاحبي ، الطريق القريب هو من هنا إلى أزمور ، قلت : ومن الممكن أنا إذا شرعنا في الطريق ربما يخرج التاجر الذي هو يمشي في السفينة ، وإذا طلبوا علينا لم يجدونا ، ويتبعونا كما هي من عادتهم ويدركوننا بالخيل ، قال : كيف العمل؟ قلت : هذا طريق أزمور هو هذا الشمالي على حاشية البحر ، قال : نعم ، قلت : نمشوا على حاشية البحر اليمنى إلى غد ـ إن شاء الله تعالى ـ نمشو إلى أزمور على بركة الله ، فمشينا ، وبعد ساعة أو أقل سمعنا مكحلة لعلي نفيق من النوم إن كنا نائمين ، فمشينا الليل كله في بلاد الأسد إلى انشقاق الفجر أخلوا المدفع الكبير وهي علامة عندهم إذا أدخلوا ذلك أنه لا يتخلف أحد عن الخروج من البلاد. وعلمنا أنهم ما خرجوا إلا في طلبنا ، فاتفق أن ندخلا في وسط شجرة كبيرة ونجلس هنالك إلى الليل وكنا نسمع حس البارود الكثير ثم يئسوا منا وولوا خائبين ، وسبب رجوعهم أن قائد أزمور لما سمع حس المدفع الكبير عند الصبح علم أن أحدا من النصارى هرب من عندهم فأمر في الحين الفكاك أن يمشي إلى البريجة ليتكلم مع القبطان في شأن أسير كان عنده ، ويأتي بالخبر ، فلما مشي التقى بالنصارى في الفحص. وسأله ترجمان القبطان عن نصرانيين هل رآهما؟ قال له : نعم ، هما عندنا من الصبح. فلما بلغ الخبر للقبطان وهو مع جنده ، فكان يقبض بيده شعر لحيته ، وينتفها ويرمي في الأرض ، والفكاك قال لهم ذلك لييأسوا ويرجعوا فقنطوا ، وولوا خائبين. ونحن جلسنا بين الأشجار إلى الليل وكان الحر الشديد ، ونحن بالعطش سائرين فوجدنا عينا من ماء عذب فشربنا ، وبتنا إلى الصبح ، وكنا سرنا في الليل كثيرا قبل وجود الماء. وبعد ذلك بزمن التقينا بمراكش برجل من أولاد الولي سيدي علي بن أبي القاسم (٦١) ، وسألنا عن حالنا وهروبنا من البريجة إلى
__________________
(٦١) انظر ترجمته عند م. بن عسكر. دوحة ، ١٠ ـ ١٠٢.