جهة طيط ـ هو بلد خال كان للمسلمين ـ وذكرنا له عين الماء الذي وجدناه في الليل ، فقال للناس الحاضرين : تلك البلاد نعرفها كلها وليس فيها ماء على وجه الأرض إلا في الآبار الغارقة. وبعد أن تنعمنا بالماء وصلينا الصبح مشينا في طلب أزمور وبسبب السحب لم نر الشمس حتى كانت في وسط السماء ، ثم سرنا نطلب على الما ونجد آبار غارقة يابسة ، ثم استظللنا بشجرة كبيرة بعد العصر ، وسمعنا حس البحر ، ولينا إليه لعلنا نجد ماء فلم نجد شيئا في حاشية البحر للشرب. ثم مشينا على طريق وكنت أظن أنه ماش إلى أزمور. فبعد نصف الليل بلغنا إلى بساتين البريجة ، ثم جزنا وتركناها من ورائنا ، وسرنا من البريجة. ثم صعدنا على جبل ورأينا المسلمين يحصدون الزرع ولما قربنا منهم جاءوا إلينا بأسلحتهم وخيلهم ، فلما وصلوا إلينا قلنا لهم : نحن مسلمون ، فأمسكوا عن الحرب ، وفرحوا بنا فرحا عظيما ، وأعطونا الخبز والطعام الذي لم نره من يوم الجمعة قبل الزوال إلى يوم الاثنين عند الضحى. ثم بلغنا إلى أزمور فأقبل علينا قائدها وبحثنا كثيرا في أمور دين المسلمين ، وقال لي : أتكتب بالعربية في هذه الورقة؟ قلت له : ما أكتب؟ قال : الذي تحب ، فكتبت ما ألهمني الله تعالى ، وشكرته على قضاء الحاجة وخلاصنا من الكفار ، ودعوت بالخير للقائد محمد بن إبراهيم السفياني على ما أحسن إلينا ، وقبض الورقة ، وأظن أنه بعثها للسلطان مولاي أحمد ـ رحمهالله ـ ، وكتب له وأمره أن يمشي بحضرته في عيد الأضحى ، وأن يحملنا معه ، فلما أن بلغنا في دكالة إلى سوق كبير أمر القائد بخديمه أن يركب معي إلى السوق ، فلما أن دخلنا فيه جاء المسلمون يسألون الخديم عني ، قال لهم ، هو مسلم ، فجاءوني من كل جانب وهم يقولون لي : شهد! شهد! وأنا ساكت حتى ألحوا علي وكثروا في ذلك ، قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قالوا : والله إنه قالها خير منا ، ثم مشوا وأتوني بتمر وغير ذلك مما كانوا يبيعونه وفضة دراهم. قلت لهم : لا أطلب منكم شيئا من ذلك ، فلما ولينا عند القايد قال لي : ما ظهر لك؟ قلت : الحمد لله إذ لم نر عدوا في هذه الناس ، لأن في بلاد النصارى لم نر فيها في الأسواق إلا أعداء لنا يمنعونا من الشهادتين جهرا ، والمسلمون يحرضونني عليها وفرحوا جميعا حين سمعوا مني ذلك. وقد شبهت ما أصابنا من خوف النصارى وما رأينا من التعب في الطريق إلى أهوال